حملات الاتصال العمومي : المفهوم والأهمية

بعد التعرف على الاتصال العمومي بشكل عام من حيث مفهومه وأسسه ومستوياته، سنتعرف على حملات الاتصال العمومي من حيث نفس العناصر. وسنتطرق في هذا المقال إلى مفهوم هذه الحملات وأهميتها بشكل خاص.

  1. مفهوم حملات الاتصال العمومي

تعتبر الحملات الإعلامية من بين أهم أدوات وأساليب الاتصال العمومي. والتي تستخدم من قبل المؤسسات الرسمية بأشكال مختلفة. ولتحقيق أهداف وغايات متعددة غير أنها تجتمع في صفة أساسية وهي “المصلحة العامة“. وتعرف الحملة الإعلامية على أنها:  “تلك الجهود المنظمة التي يقوم بها المختصون في العمل الإعلامي بوسائله المختلفة. بهدف تحقيق غاية معينة أو مجموعة من الغايات والأهداف المحددة سلفا. تخاطب فئة معينة بلغتها التي تعرفها. ومن خلال أطر ثقافية تعيش من خلالها. وذلك لفترة زمنية محددة. كما تعتمد على تحديد الجمهور المستهدف تحديدا دقيقا. واختيار الوسائل الإعلامية التي تتناسب معه”.[1]

وتعرف الحملة الإعلامية في الاتصال العمومي بأنها جملة من النشاطات الاتصالية. تهدف إلى تقديم معارف ومعلومات أو تعديل السلوكات والاتجاهات والمعتقدات أو تغييرها. والخاصة بجمهور معين خدمة للمصلحة العامة. وذلك عن طريق الإقناع. فهي عمل فني يعتمد على كل تقنيات الاتصال ووسائله. وتتطلب تخطيطا استراتيجيا تراعى فيه كافة المتغيرات المرتبطة بالموقف الاتصالي.[2]

الحملة هي تصميم وتنفيذ وعمل برنامج محكم. يستهدف زيادة نسبة تقبل فكرة اجتماعية واكتساب عادة أو سلوك معين لدى الجماهير المستهدفة. وتلعب الحملات دورا أساسيا وفعالا في الحياة الاجتماعية للأفراد. من خلال تقديم النصائح والإرشادات والتوجيهات اللازمة للجمهور. والحملة هي الجهود المكثفة والمستمرة لفترة من الوقت للنشر المستمر. وبكافة الأساليب والوسائل لطرح ومناقشة ومتابعة موضوع معين يهم أفراد المجتمع. أو هي الجهود المستمرة لتحقيق هدف ما يعود بالمنفعة على المجتمع. ويمكن أن تكون الحملة الإعلامية مع أو ضد شيء.

الحملة عبارة عن مجموعة من الجهود والأنشطة التي تقوم بها هيئة، أو منظمة. بهدف تعديل أو تغيير سلوكات أفراد المجتمع عن طريق الإقناع. باستخدام الوسائل الإعلامية بوجه عام.وتهدف الحملة الإعلامية إلى نشر الثقافة، والوعي الاجتماعي لإصلاح حال أفراد المجتمع.[3]

ويرى Makwil Denis أن الحملة تنسجم مع النظم والمعايير والقيم الاجتماعية السائدة. وغالبا ما يكون الهدف تعديل أو تعزيز توجهات جماهيرية نحو أهداف مقبولة اجتماعيا. نجد أيضا تعريف Lindon Denis  ربط بين الحملة الإعلامية والاتصال العمومي ذي الطابع الاجتماعي. حيث أشار بشكل مباشر إلى علاقة الحملة الإعلامية ذات التأثير العمومي بجانب الإستراتيجية. وفي رأيه الحملة  الإعلامية عمل مبرمج يراعي تحديد الجمهور وخصائصه وانشغالاته تقر تحديد الأهداف من هذه الحملة. وفي اعتقاده أن الحملة تتحرك بعناصر استراتيجية. وفي هذا شبه نظام الحملة الإعلامية بنظام العمل العسكري الحربي مبني على استراتيجية في التنظيم وتكون محكمة.[4]

ويعرفها كل من بران داي ومارتن مونر على أنها، “جهود اتصالية وقتية. تستند إلى سلوك مؤسسي أو جمعوي يكون متوافقا مع القيم السائدة بهدف توجيه وتدعيم وتحفيز اتجاهات الجمهور نحو أهداف مقبولة اجتماعيا”.[5]

من خلال التعريفات السابقة يمكن تلخيص أهم العناصر المكونة لحملة الاتصال العمومي في النقاط التالية:

  • نشاط اتصالي منظم ومحكم

تتفق معظم التعريفات على أن حملة الاتصال العمومي، هي عبارة عن نشاط اتصالي منظم. أي أنها تضم جميع عناصر العملية الاتصالية والمتمثلة في (المرسل، المستقبل، الرسالة، القناة، الوسيلة). وتتم هذه العملية وفق خطة محكمة. وليس مجرد اتصال عشوائي. وبالتالي يصبح التخطيط من أهم العناصر المميزة لهذه الأخيرة. وعاملا حاسما يتحدد على أساسه نجاحها من فشلها.

  • تقوم به هيئات ومؤسسات عمومية

يظهر من خلال تعريف حملات الاتصال العمومي، أن القائم بالاتصال يتمثل في الهيئات والمؤسسات العمومية الرسمية. سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي، كما سبق وأشرنا إلى ذلك في مستويات الاتصال العمومي على اعتبار أن الحملات هي شكل من أشكال هذا الاتصال. ويمكن أن تقوم بالحملة مؤسسة عمومية واحدة أو عدة مؤسسات في إطار التعاون والتنسيق.

  • تستهدف جمهورا محددا

من خلال التعريفات السابقة يتضح أن حملات الاتصال العمومي هي تلك التي تستهدف جمهورا محددا. وحول قضية أو مشكلة معينة. يكون لها تأثير في المجتمع وترتبط بالقضايا التي تهم هذه الفئة بشكل واسع.

والحملات الإعلامية هي  اتصال جماهيري. كون الجهات المستهدفة منها هي الجمهور العام. كما يطلق عليها حملات الاتصال الجماهيري أو  الاتصال الاجتماعي، باعتباره  يهدف إلى تحقيق الصالح العام. ويظل هذا المفهوم نسبي. وقد يتضح ذلك من خلال الحملات الوقائية من حوادث المرور و من الأمراض…إلخ[6].

  • تحقيق أهداف محددة

تجمع تعريفات حملات الاتصال العمومي على أنها تهدف إلى تحقيق أهداف محددة. وتدخل في إطار تحقيق المصلحة العامة والخدمة العمومية بعيدا عن المصالح والأهداف الشخصية.

  • استخدام وسائل الإعلام والاتصال

تقوم حملات الاتصال العمومي على استخدام مختلف وسائل الإعلام والاتصال في بث رسائلها إلى الجمهور المستهدف. سواء كانت مكتوبة، سمعية أو سمعية بصرية، بما في ذلك الوسائط المتعددة ومواقع التواصل الاجتماعي.

  • خلال فترة زمنية معينة

تتفق تعريفات حملات الاتصال العمومي، على أنها ترتبط بفترة زمنية محددة، تسمح لها بتحقيق الأهداف المسطرة. سواء كانت هذه الفترة قصيرة أو طويلة أو موسمية. (مثل إعداد حملة من أجل التحسيس بالكشف المبكر عن سرطان الثدي خلال شهر أكتوبر الوردي).

  • أهداف حملات الاتصال العمومي

وعموما يمكن تلخيص أهداف حملات الاتصال العمومي، كما أوردتها الباحثة عبير تباني، في رسالة الماجستير الخاصة بها حول حملات التوعية من حوادث المرور[7] في النقاط التالية:

  • تزويد الجماهير المستهدفة بالمعلومات والبيانات المتوفرة حول الموضوعات والقضايا ذات الصلة بحياتهم. والمطلوب إحداث التعديلات المطلوبة فيها.
  • التأثير على مواقف واتجاهات الجماهير المستهدفة نحو قضايا محددة أو عامة… (بما يخدم السياسات العامة للمؤسسات والدولة بأجهزتها المختلفة).
  • إقناع الجماهير المستهدفة بإحداث تعديلات تدريجية في مواقفهم تجاه أهداف سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية. وحول قضايا عامة كقضايا البيئة و التسول والبطالة وغيرها، باستخدام استراتيجيات ـ خطة طويلة أو قصيرة الأجل ـ وتكتيكات مقبولة من قِبَلِهم.
  • تعديل الأنماط السلوكية للجماهير المستهدفة بما يحقق وفرات مادية. أو بما يقلل من حجم الخسائر في أنماط سلوكية شرائية واستهلاكية شرائية و استهلاكية محددة. وخاصة أوقات الأزمات أو الكساد الاقتصادي.
  • تحسيس الرأي العام بقضية معينة في المجتمع لئلا تتعرض للنسيان. كالقيام بحملات تحسيسة بقضية المعوقين أو فئة المحرومين اجتماعيا. و الغرض من هذه الحملات هو تنبيه المجتمع لمثل هذه القضايا بهدف الزيادة في درجة التضامن و التكافل.
  • تحسين صورة المهن وذلك لغرض تنمية الحيوية والدافعية لإتقان تلك المهنة. ودفع المواطنين للإقبال عليها.
  • توضيح الحقائق الاجتماعية وتوعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم في المجتمع. كالحملات التي تستهدف توعية المواطنين بقوانين المرور. واحترام الإشارات والتقليل من السرعة.
  • تنبيه إلى مخاطر الآفات الاجتماعية وإبراز انعكاساتها، فهي بمثابة الدعامة القوية والركيزة الهامة للبحث عن أرضية مشتركة لتبادل المفاهيم. كما أنها تعمل على إيقاظ الضمائر فالأمراض الخطيرة وتعاطي الكحول والتدخين وحوادث الطرقات تكلف الدولة عديد المليارات من العملة. ضف إلى ذلك أنها تغني عن التدخلات الترتيبية من قوانين و أوامر أي عن حل المشاكل بالقوة.
  • إثارة انتباه الرأي العام بقضايا مجتمعية المتعلقة بالفئات المهمشة. كحملات تتناول مشاكل ذوي الاحتياجات الخاصة، المتشردين، أطفال الشوارع، الفئات المحرومة اجتماعيا. إذ تنبه هذه الحملات المجتمع بهدف التضامن أو التكافل أو التعاون مع هذه الفئات.

 

  • 2.أهمية حملات الاتصال العمومي:

تكمن أهمية الحملات الإعلامية في كونها تتوجه إلى جماهير واسعة نسبيا تتسم بالاختلاف والتنوع. وتهدف إلى تغيير اتجاهات وسلوكيات اجتماعية مختلفة.  وهذا ما يتطلب جهدا كبيرا يتسم بالاستمرار حيث في كثير من الأحيان يرفض الفرد تغيير أفكاره وسلوكياته ومن ثمة معتقداته التي تم اكتسابها من قيم وعادات المجتمع. والحملة باعتبارها جهدا منظما تسعى إلى إقناع مجموعة مستهدفة بقبول أفكار أو تجمعات أو سلوكيات أو تعديلها أو الابتعاد عنها. حيث  تقوم بها جماعة من المجتمع معينة. ويحدث ذلك من طريق مراحل وبتأثير تركمي.[8]

وللحملات الإعلامية أهمية كبيرة من ناحية تطويع أو تعديل السلوك الإنساني في الاتجاه المرغوب فيه من قبل القائم بالاتصال في الحملة الإعلامية. ذلك أنها إذا تم تصميمها و تنفيذها من قبل الجهات المتخصصة و المؤهلة. فإنها تؤدي إلى توعية الجمهور المستهدف وتساعده على التعرف على نقاط القوة والضعف الكامنة وراء قضية ما كخطوة أولى. كما أنها معنية بتصويب سلوك الجمهور المستهدف نحو تحقيق الهدف المنشود كخطوة ثانية. [9]

وتكمن أهمية الحملات في كونها واحدة من أهم الطرق التي تتعامل معها المجتمعات المعاصرة لضرورة التحديد وإعادة التوضيح للسلوكيات. والتي يمكن أن تعتبر مناسبة أو غير مناسبة. وأصبح لزاما أن تتدخل الحملات لتغيير العادات والسلوكيات والتأثير في المعرفة والاتجاهات والسلوك. ولعل نجاح أي حملة إعلامية متوقف على الاستخدام الأمثل للاتصالات وضرورة النظر إليها باعتبارها نظام فرعي في إطار نظم متكاملة أعم وأشمل وهي النظم السائدة في المجتمع.

ومن هنا فكفاءة التسويق الاجتماعية تكمن في مدى كفاءة تخطيط وتنفيذ حملات إعلامية متكاملة. ووضع نظم الرقابة والتعليم التي تكفل لها إمكانية تحقيق أهدافها بأقصى درجة من الكفاءة والفاعلية. ولهذا تعتبر الإذاعة من أكثر وسائل الاتصال الجماهيرية ارتباطا بالحملات الإعلامية. وبث المعلومات المستهدفة لكافة قطاعات المجتمع. ولاسيما إذا كنا تتعامل مع مجتمع محلي. فإن البرامج الإذاعية تقدم كما هائلا من المعلومات حول كافة الموضوعات التي تهم الجمهور. وتصل إلى طبقات اجتماعية ومناطق جغرافية مختلفة. فهي تؤثر على الحالة المعرفية للمتلقي هدف التأثير على اتجاهاته. [10]

وبصفة عامة يمكن القول أن أهمية حملات الاتصال العمومي تنبع من دورها الفعال داخل المجتمعات. من خلال عملها على معالجة المشكلات التي يعيشها المجتمع ومحاولة إيجاد الحلول لها بالطرق العلمية وفق تصميم محكم لمراحل الحملة. وتحسيس الرأي العام بقضية معينة في المجتمع. التأثير في المعرفة والاتجاهات والسلوك بما يخدم الصالح العام من خلال الرسائل المتتالية. والكثافة في التغطية و عملية التكرار لتحقيق الهدف المنشود من الحملة.

المراجع

[1]  صابر سليمان عسران، تخطيط وتنفيذ الحملات الإعلامية، مجلة الفن الإبداعي، العدد 179، سنة 2005، ص31.

[2] عبير تباني، الحملات الإعلامية الخاصة بالتوعية المرورية في الجزائر، رسالة ماجستير، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2012، ص12.

[3]  سامية عواج، توجهات جمهور السائقين نحو حملات التوعية المرورية في الإذاعة المحلية، مجلة حوليات جامعة قالمة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، المجلد13، العدد01، سنة 2020، ص66.

[4]  عامر آمال، محاضرات مقياس حملات الاتصال العمومي، مرجع سابق.

[5]  حمروش دليلة، محاضرات تصميم الحملات، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، جامعة وهران1، سنة 2021.

[6]  نبيلة بوخبزة، الاتصال العمومي، أسس و تقنيات، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر، 2014، ص 38.

[7]  أنظر: عبير تباني، الحملات الإعلامية الخاصة بالتوعية المرورية في الجزائر، مرجع سابق، ص93.

[8] عيسى بوكرموش، إستراتيجية الاتصال في الحملات الإعلامية، رسالة ماجستير، كلية الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر 3، سنة 2013، ص63.

[9]  مغتات العجال، محاضرات حملات الاتصال العمومي، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة سيدي بعباس، سنة 2020.

[10]  سامية عواج، توجهات جمهور السائقين نحو حملات التوعية المرورية في الإذاعة المحلية، مجلة حوليات جامعة قالمة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، المجلد13، العدد01، سنة 2020، ص64.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى