مستويات الاتصال العمومي : أربع مستويات

المحاضرة (3): مستويات الاتصال العمومي

تنقسم  مستويات الاتصال العمومي إلى 4 مستويات رئيسية، وهي المستوى المحلي، الوطني، الإقليمي والدولي. وسنحاول التفصيل في كل مستوى من هذه المستويات الأربع فيما يلي:

  1. الاتصال العمومي المحلي:

              ويقصد به الاتصال الذي تقوم به المؤسسات العمومية المحلية من أجل تحقيق مصلحة عامة. وذلك على غرار الاتصال الذي تقوم به البلديات مثلا من أجل تزويد المواطنين بالمعلومات الخاصة باستخراج الوثائق الإدارية وغيرها. أو الاتصال الذي تقوم به المديريات المحلية بمختلف أنواعها، مثل مديريات البيئة. مثلا من خلال حملات التوعية الموجهة للمواطنين بالمحافظة على الغابات. أو مديريات السياحة التي تقوم بحملات توعية في موسم الاصطياف من خلال إعلام المواطنين بحالة البحر (سباحة مسموحة، سباحة ممنوعة). وتوعيتهم بضرورة تجنب الشواطئ غير المحروسة ومراقبة الأطفال وغيرها. ويمكن القول بشكل عام، أن الاتصال العمومي على المستوى المحلي هو ذلك الاتصال الذي تقوم به المؤسسات العمومية المحلية. والذي يستهدف فئة معينة من المواطنين في تلك المدينة أو البلدة. مثل تنظيم الأبواب المفتوحة على الشرطة، أو الحماية المدنية، حراس الشواطئ وغيرها.

              ويعتبر الاتصال المحلي عموميا حسب Dominique Bessieres  حين يتم التركيز على مدى استخدامه في الإطار المؤسساتي من أجل تحقيق عدة أهداف. تتعلق بترقية و التعريف بالهياكل المؤسساتية المحلية. وتنشيط الممارسة الديمقراطية. من خلال إشراك المواطنين في صيرورة اتخاذ القرارات والاختيارات التي تهم الشأن العام.[1]

              إن الاتصال العمومي يمثل تجديدا لفعل المواطنة. ومن خلاله يتم تسيير الشأن العام من قبل الجماعات المحلية والمتمثلة في الهيئات المنتخبة التي اختارها المواطنون لتسيير شؤونهم العامة. ومن ثمه تقل نسبة الريبة (ريبة المواطن حول انتمائه). ويصبح محور اشتغال الاتصال العمومي المحلي. فكما تقول “مونيك فوردان”: “هو العلاقة المباشرة بين المنتخب المحلي والمنتخبين. ذلك أن الجماعة المحلية لا يمكنها أن تتخلى عن فعل الاتصال”. فنشاطها في تقديم الخدمة العمومية يوجد في احتكاك دائم مع المواطن. حيث يستمد الاتصال العمومي المحلي في شكله المعاصر الكثير من الأفكار والأساليب الحديثة من بعض التحولات الفكرية المهمة. ولعل أبرزها فكرة فلوريدا حول تسويق الجماعات المحلية لترسم لنفسها صورة إيجابية في أذهان المنتمين لها. أو الراغبين في ذلك وتكون هذه الصورة بمثابة ميزة تنافسية تساعد على إدارة الفعل العمومي المحلي على نحو أكثر فاعلية.[2]

  1. الاتصال العمومي الوطني:

              الاتصال العمومي الوطني هو الاتصال الذي تقوم به المؤسسات الرسمية الوطنية مثل وزارة الداخلية من خلال صدور قوانين جديدة تتعلق باستخراج الوثائق، أو وزارة الشؤون الدينية خلال المناسبات والأعياد الدينية وموسم الحج بشكل خاص من خلال حملات اتصال تهدف إلى توعية الحجاج بإجراءات السفر وكيفية أداء مناسك الحج.

وترتبط ممارسة الاتصال العمومي في الأصل على نحو وثيق بفكرة الدولة وتجرى ممارسته على مستوى الأجهزة والمؤسسات الحكومية المركزية (الوزرات، الحكومات….)، بحيث يهدف إلى تقديم الخدمة العمومية لمواطني الدولة ويمثل الاتصال العمومي عند”غورين جونغروند” الشكل الرمزي للدولة،

والذي تتجلى من خلاله معالم الإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشأن العام. ومن خلاله كذلك يتم التقبل الاجتماعي للدولة وتضفي على نشاطاتها الشرعية حيث تكون وظيفة الاتصال العمومي على النطاق الوطني هو ضمان تقبل المواطنين للسياسات العامة للدولة والترحيب بها إن صح التعبير والانخراط فيها إذا تطلب الأمر المشاركة، أما “إيريك كابو وفرانسوا لومبرت”، فيحددان وظيفة الاتصال العمومي على النطاق الوطني في التصدي لما يسميانه بالريبة أو عدم اليقين والمبادرة في صفة المواطنة والانتماء، حيث يقول الباحثان “إن إعادة الديناميكية للجماعة(الدولة) يمر بالضرورة عبر تجديد مستمر لأعضائها ومن ثمه يجب على الاتصال العمومي الوطني أن ينتج المعرفة بخصوص الشأن العام وينشرها ويعلم أفراد الجماعة أو الدولة باستمرار السلوكيات الجديدة التي تعمق إحساس الفرد بالانتماء. ومن هذا المنطلق تبدو مهمة الاتصال العمومي الوطني جسيمة جدا، ورهانا صعبا بالنظر للنطاق الجغرافي الواسع للدولة وصعوبة مواجهة الريبة.[3]

  1. المستوى الإقليمي:

الاتصال العمومي الإقليمي وهو الاتصال الذي تقوم به الهيئات والمؤسسات الرسمية الإقليمية. ويمكن هنا أن نذكر على سبيل المثال مفوضية الاتحاد الإفريقي، أو اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وغيرها من المنظمات، التي تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة للجماهير المتواجدة في إقليم معين (إفريقيا) من خلال التقارير التي تقوم بإعدادها سنويا، وتلقي الشكاوي من المواطنين ودراستها على سبيل المثال، بالإضافة إلى إطلاق حملات التوعية والتحسيس بأهمية التعليم لدى الإناث في إفريقيا، تلقيح الأطفال، تحقيق الأمن الغذائي، وغيرها من القضايا الإقليمية التي تمس هذه الجماهير.

ويمكن أن نقدم هنا مثالا عن حملات التوعية العمومية التي أطلقتها منظمة اليونيسيف في الإقليم المصري حول ظاهرة التنمر ضد الأطفال. والتي استهدفت الأطفال المتنمرين، الأطفال ضحايا التنمر، وكذلك أولياء الأطفال المتنمرين والضحايا أيضا.

  1. المستوى الدولي:

الاتصال العمومي الدولي، هو الاتصال الذي تقوم به الهيئات والمؤسسات الرسمية الدولية وتهدف من خلاله لتحقيق المصلحة العامة وتستهدف جهور واسع يتعدى حدود الدولة الواحدة. ولعل أبرز مثال على ذلك “منظمة الصحة العالمية”. والتي تقوم بنشر تقارير وبيانات حول وباء كورونا عبر وسائل الإعلام ومواقعها الرسمية عبر الانترنت بهدف توعية المواطنين في مختلف أنحاء العالم بالإجراءات الوقائية. ويتناول الاتصال العمومي الدولي عادة القضايا ذات البعد العالمي، مثل الأوبئة والفيروسات كما سبق وأشرنا، أو المشاكل المتعلقة مثلا بالاحتباس الحراري والتلوث وتحديات المناخ والأمن الغذائي وانعكاسات ذلك على الشعوب في مختلف الدول.

والمنظمات العمومية الدولية وتشمل المنظمات التابعة للأمم المتحدة (منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف   UNICEF)، منظمة الصحة العالمية (WHO)، منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم والثقافة (UNESCO)، ويهدف الاتصال العمومي في هذا المستوى إلى الوصول إلى شرائح واسعة في العالم من أجل إمدادهم بالمعلومات والأفكار والقوانين التي تتعلق بمصالحهم.

والاتصال العمومي الدولي يتجاوز الحدود الجغرافية للدولة مع مراعاة فاعليتها الأساسية في تقديم الخدمة العمومية لأبعد من المواطن وهو الإنسان. ويتلاءم تصور الاتصال العمومي العالمي مع التحديات والرهانات التي أضحت تفرضها الظروف المعاصرة ومختلف الظواهر التي تهدد حياة الإنسان في كل مكان من العالم: التصحر، الاحتباس الحراري، التغيرات المناخية، الطاقة النووية والطاقات البديلة، ومختلف السلوكيات المضرة بالبيئة، التنمية المستدامة…إلخ، فقد مثلت هذه التحديات التي أدت إلى اكتشاف جوانب مهمة يمكن أن يلعب فيها الاتصال العمومي الدور المحوري، حيث تصبح الدول بمختلف مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية (الجمعيات، المنظمات غير الحكومية) مطالبة بمد نشاطها إلى المستوى العالمي، لتكريس قيم جديدة من شأنها أن تضع مواطنا عالميا يراعي بيئته ويحافظ على جوده، كان نتيجة ذلك انعقاد مؤتمر دولي بالبرازيل سنة 2014 ووضع الخطوط العامة لتطوير البحث في الاتصال العمومي مستقبلا وتنسيق الجهود في هذا الإطار.[4]

مراجع مستويات الاتصال العمومي :

[1] بوشاقور جمال، دور الاتصال العمومي المحلي في تنمية السياحة بالمدن الداخلية بالجزائر، مرجع سابق، ص125.

[2]  يونس بصاص، محاضرات حملات الاتصال العمومي، كلية علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر03، 2020.

[3]  يونس بصاص، مرجع سابق.

[4]  نفس المرجع.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى