كتاب الإيديولوجية والسلطة للكاتب نعوم شومسكي

انشغل نعوم شومسكي بتعرية الأوهام المفضلة لدى أميركا. هاجم النظام السياسي القائم على الهيمنة والتوسع وأهل الفكر المستسلمين لعبودية القوة. وإيديولوجية الصحافة القائمة على «غسيل المخ تحت الحرية» في العديد من الكتب على غرار كتاب الإيديولوجية والسلطة الذي خصصنا له هذا المقال.

ظل ناقدا للسياسة الخارجية الأميركية. يشن هجوما على «الصورة الذاتية الجاذبة» للنية الحسنة لدى أميركا. ويجزم أن الحريات المحلية في أكثر المجتمعات الحرة في العالم تتعايش مع الاستبداد من أجل جعل العالم أكثر أمنا لرأس المال الأميركي. وذلك مع ترك الأيدي الأميركية ملطخة بدماء الإبادات الجماعية.

حكومة رعاية الأغنياء وكبار المستثمرين

بكثير من التفاصيل تناول شومسكي هذه الأفكار، المنصبة في تعبئة الرأي العام الأمريكي لتأييد «حكومة رعاية الأغنياء وكبار المستثمرين». وتخويفه من “إمبراطورية الشر” السوفياتية لضمان موافقته على التوظيف والاستثمار في الصناعات العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة.

وذلك لمصلحة أصحاب الامتيازات وعلى حساب المتطلبات الاجتماعية وتنمية القطاعات الشعبية المتخلفة في كتابه الصادر عام1987 باللغة الإنجليزية On Power and Ideology والذي ترجم إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان Idéologie et Pouvoir عام 1991 وعليه نطرح التساؤل التالي:

ما هي الحقائق والمفارقات التي جاء بها شومسكي في كتاب ”الإيديولوجية والسلطة“ في ظل العلاقة بين السلطة، الصحافة والمثقفين؟.

صدر الكتاب بعنوان Idéologie et Pouvoir في بلجيكا عن دار نشر  EPO Editions التي قامت بترجمته، وكانت الطبعة الأولى سنة 1991 والطبعة الثانية سنة 2004 وعدد صفحاته 208 صفحة. وكان العنوان الأصلي: On Power and Ideology. وكانت الطبعة الأولى بالانجليزية عن دار نشر: South end Press, Boston 1987. والطبعة الثانية بالانجليزية عن دار نشر: Institute of policy Alternatives of Montréal, canada 1990.

الكتاب عبارة عن مجموعة من المحاضرات ألقاها نعوم شومسكي في الجامعة المركزية الأمريكية UCA خلال شهر مارس عام 1986 حول مشاكل السياسية المعاصرة. وقد احتوى على مقدمة للكاتب نعوم شومسكي، يعرفه فيها بفكرة طريقة إلقائه لهذه المحاضرات و قد قسم الكتاب 5 فصول.

يتناول الكتاب أسس السياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. وكيف حاولت خلق نظام عالمي. وتحقيق حلم المنطقة الكبيرة بحجة السيطرة على العدوان الداخلي وانتهاج سياسة الأمن القومي. وذلك بالاعتماد على عدد وافر من الأمثلة والوثائق الرسمية، التي تمس مواضيع رئيسية أبرزها:

  • المنطق الثابت للعلاقات بين الشمال والجنوب.
  • العلاقة الغامضة بين الديمقراطية واقتصاد السوق.
  • الخطاب الإنساني «عن حقوق الإنسان … وسائل الإعلام».
  • ميكانيزمات أو آليات السيطرة على الشعوب عن طريق الدعاية والتكييف الإيديولوجي.
    وهي النقاط العميقة في قلب الفكر السياسي عند شومسكي.

الطبعة الثانية للكتاب باللغة الفرنسية جاءت سنة 2004 أي بعد أحداث 11سبتمبر 2001 وذلك لما يقدمه الكتاب من تصورات حول السياسة الأمريكية الخارجية القائمة على خلق عدو وهمي يساعدها على التدخل في الدول بدعوى: الأمن القومي.

حادثتين للحادي عشر من سبتمبر

يعتبر تشومسكي أن هناك حادثتين للحادي عشر من سبتمبر إحداهما دخلت التاريخ والثانية لم تدخله. فالذي دخل التاريخ هو الحادي عشر من سبتمبر 2001. ونعرف ما حدث حينها وكيف غيّر ذلك العالم، لكن هناك حادي عشر من سبتمبر آخر حدث عام 1973، عندما دعمت الولايات المتحدة الانقلاب في تشيلي وأطاحت بحكومة الليندي المنتخبة ديموقراطياً. وهذا لم يدخل التاريخ، فالحدث يدخل التاريخ عندما يُرتكب ضد الولايات المتحدة وليس عندما ترتكبه الولايات المتحدة ضد الآخرين.

كان للحادي عشر من سبتمبر الأول تأثير هائل على التاريخ، لكن قلة من الناس في الغرب تعرف ما هو. أما الحادي عشر من سبتمبر الثاني فكان موجهاً إلى الغرب. ولذلك كان مهماً جداً، وأثار تعاطفاً ضخماً في أنحاء العالم.

ظروف صدور كتاب الإيديولوجية والسلطة

جاء هذا الكتاب في ظروف سياسية حساسة. وذلك عقب انهيار الاتحاد السوفياتي: المقاومة الجيوسياسية للنزعة التوسعية الأميركية. وإعادة طبع الإيديولوجية الأمريكية مع بداية القرن العشرين.

كما تزامن طبع الكتاب مع نهاية الحرب الباردة أين ظهرت معطيات جديدة في السياسة الأمريكية الخارجية من أجل مشروع الهيمنة الأمريكية على العالم. وخلق وتثبيت نظام دولي تستطيع بموجبه الشركات الأمريكية التطور والازدهار وضمان محيط عام مناسب للصناعة ،التجارة، الأعمال الزراعية والعالم المالي الناشئ في الولايات المتحدة عموما. وما نتج عنه من تجاوزات من قبل السلطة الأمريكية.

اغتيال المثقفين من قبل الولايات المتحدة

وفي هذا يقول شومسكي: «في وسط أمريكا كانت هناك حرب كبيرة في 1980. وكانت حرباً واسعة ضد الكنيسة الكاثولوكية. الولايات المتحدة عالمياً ضد أي شخص يحاول الوقوف في وجه القوة في أمريكا الوسطى. حدث وأن كانت الكنيسة الكاثولوكية ثم بدأ عقد الثمانينات واغتيل أحد القساوسة. وانتهى الأمر باغتيال ستة من المثقفين اليسوعيين. وتم تفجير رؤوسهم بواسطة قوات مسلحة ومدربة من قبل الولايات المتحدة. هذا ما حدث للمثقفين وبالطبع فالأمر معروف هنا سأريك بعض الصور. هذا نوع من اختبار روشاك. انني مهتم بأن أعرف إذا كان الناس يعرفون ما هو. كل شخص في أمريكا اللاتينية يعرف ما هو. هذا هو قسيس روميرا، وهؤلاء هم اليسوعيون المثقفون الستة والذين اغتيلوا عام 1989م وهذا هو خادمهم وابنته. أي شخص في أمريكا اللاتينية يعرف ذلك على الفور، ولا أحد من الولايات المتحدة يعرف ما هو. وفي بعض المناسبات بعض الأشخاص في أوروبا يعرفون ذلك ولكن لماذا علينا أن نعرف؟ إنهم فقط مثقفون قمنا باغتيالهم. إن ذلك ليس مهماً. نعم هناك مثقفون مثل هؤلاء، فالأشخاص الذين تم ذبحهم ثم تفجير أدمغتهم بواسطة نخبة مقاتلين دربتهم الولايات المتحدة، نعم هم مثقفون أيضاً لا أحد يعرفهم ولا أحد يقرأ كلمة مما يقولون. ولا يمكن لأحد أن يعرف حتى كيفية ايجاد كتاب ألفوه لأنهم كانوا في الاتجاه المعاكس فهم يسوعيون مثقفون يعملون من أجل الفقراء».

كل هذا يتطلب فحص وتمحيص الظروف التاريخية والوضعيات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية بدءا من الحرب العالمية الثانية إلى انهيار الإتحاد السوفياتي وذلك من أجل فهم أبعاد هذا المشروع وتأثيراته المحتملة.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى