أسس ومبادئ الاتصال العمومي

إن أسس ومبادئ الاتصال العمومي تتعلق بالجمهور المستهدف، العملية الاتصالية أو التفاعل والمشاركة وردود الفعل. ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مبادئ رئيسية كالتالي:

أولا: تبني مبدأ الشفافية مع الجمهور المستهدف:

إن أسس ومبادئ الاتصال العمومي متعددة، أولها تحديد خصائص الجمهور المستهدف وفهم طريقة تفكيره، والبحث عن الوسيلة المثالية للتواصل معه. وتبني مبدأ الشفافية في التواصل معه والابتعاد عن السرية والتكتم. ويرتبط ذاك أساسا بدور الاتصال العمومي على اعتبار أنه يهدف إلى تزويد المواطنين بالمعلومات والمعارف وإقناعهم والتأثير فيهم لتعديل سلوكياتهم، أفكارهم ومعتقداتهم.

ومن الواضح أن هذه الأهداف لا يمكن أن تتحقق إلا في حالة تبني مبدأ الشفافية خلال عملية التواصل مع الجمهور المستهدف وبالتالي تحقيق الثقة والتفاعل مع رسائل الاتصال العمومي الموجهة لديه. وعلى العكس من ذلك تماما فإن التكتم والسرية من قبل المؤسسات العمومية في تعاملها مع الجمهور، سيؤدي إلى خلق حالة عدم ثقة فيها وبالتالي في الرسائل التي توجهها له، وهو ما يؤدي إلى فشل هذا الاتصال.

ثانيا: تناسق عناصر العملية الاتصالية

إن التناسق بين عناصر العملية الاتصالية، يكون بداية من تحديد الجمهور المستهدف وخصائصه، ثم مضمون الرسالة وطريقة صياغتها واختيار الوسيلة المناسبة لعرضها والوقت المثالي لذلك. كل هذه العناصر تساهم في نجاح الاتصال العمومي. وللتوضيح، فإن هذا التناسق يعتبر من أسس ومبادئ الاتصال العمومي، بالنظر إلى مفهوم هذا الأخير، باعتباره عملية اتصال منظمة، يتطلب نجاحها وتحقيق أهدافها المسطرة أن تتسم بالتناسق ومراعاة الملائمة بين مختلف عناصرها السالفة الذكر.

ثالثا: التفاعل والمشاركة

إن التفاعل والمشاركة، يعتبر من أهم مبادئ الاتصال العمومي، حيث ينبغي أن يقوم الاتصال العمومي على إحداث رد فعل، بغض النظر على نوعه فقد يكون رد فعل سلبي وقد يكون رد فعل ايجابي وفعال. وهذا يعني وجود فضاء للمشاركة ومناقشة ردود الأفعال والآراء المختلفة والمتصادمة أحيانا. وعليه يمكن القول أن الخاصية الأساسية التي يركز عليها القائم بالاتصال في مجال الاتصال العمومي هي النظر إلى الجمهور المستهدف على أساس أنه جمهور فعال وليس جهور سلبي، وبالتالي يجب مخاطبته من هذا المنطلق.

وبالإضافة إلى الأسس والمبادئ سالفة الذكر، فقد وضع Marc Thebault تسعة مبادئ للاتصال العمومي، بناء على خبرة 20 سنة من الممارسة في هذا المجال، وقد أوردتها الباحثة نسرين داودي في دراستها حول الاتصال العمومي في الجزائر بين قناع الديمقراطية وواقع الأبوية الاستبدادية على النحو التالي:

المبدأ الأول: الحتمية

لا يمكن أن لا تتصل “On ne peut pas ne pas communiquer” تسجل هذه المقولة قوتها عندما يتعلق الأمر بالاتصال العمومي، فمهمة القائم بالاتصال العمومي هنـا تحـرم عليه الصمت، حتى وأن استعمل السكوت أو عبارة لا تعليق كرد فهو فعل اتصالي وأي حال من الأحوال هو يقول شيئا.

المبدأ الثاني: الآخر

الاتصال هـو الذهاب إلى الآخر إذن فهو الاعتراف به ثم تعلم التعرف عليه، وذلك لفهم طريقة تفكيره وإيجاد الوسيلة الأكثر فعالية للتواصل معه وتقول “Dominique Wolton” في هذا الشأن هناك دائما شيء من الخسارة شيء محبط في الاتصال، لكن هذه الحدود تمثل وسيلة لإدراك أن الاتصال يعني وجود الآخر، وأن الآخر يبقى بعيد المنال، فالاتصال يحقق التقارب مع أخذ الحدود الحتمية التي لا يسمح بتجاوزهـا وإلغائها في كل تقارب بعين الاعتبار، لأن الأمر الأكثر تعقيدا في الاتصال هو الآخر، فيصبح الاتصال الذي يفترض به أن يقرب بين الأفراد، سببا في ظهور ما يباعدهم.

المبدأ الثالث: الشمولية

يقول: “Pascal” “مـن المستحيل معرفة الأجـزاء دون معرفة الكـل، ولا يمكـن أيـضـا معرفة الكـل دون معرفة الأجـزاء بشكل مـن الخصوصية ” فالرسالة وحدها لا تمثل الاتصال، ولكن الاتصال هـو مضمون، معنی، علاقة وسياق، فالمضمون هـو المعلومة، والمعنى هو طريقة صياغة المعلومة ، أما السياق فهو يجلب زوايا جديدة لرؤية إضافية لتأكيد أو نفي الرسالة ككل.

المبدأ الرابع: الملائمة (Pertinence)

هذا المبدأ هو نتيجة مباشرة لسابقه، إذ لابد من وجود تناسق في عناصر العملية الاتصالية، ومنه فتحقيق التناغم والتناسق يحقق التوافق في الاتصال، وتظهر تلك الملائمة في السياق من حيث أهمية المعلومة وأسلوب صياغتها . كما في العلاقة من حيث اختيار الوقت المناسب للاتصال.

المبدأ الخامس: التوقيت (الزمن)

الاتصال مسألة مدة وتسلسل زمني والرغبة في التواصل هي رغبة في بناء علاقة، وهذه الأخيرة تتطلب وقنا لبنائها، وليسمح الزمن ببناء هذه العلاقة لا بد من إتباع عملية، وبما أن هدف الاتصال الجوهري هو الذهاب إلى الآخر، أي خلق علاقة والحفاظ عليها، فإن ذلك يتطلب الوقت.

المبدأ السادس: النسقية

هناك ثلاث عوامل تجعل الاتصال العمومي في قلب الوظيفة النسقية المعقدة، ولفهم أكثر سننطلق من التعريف التالي “مجموعة عناصر متكاملة ومتفاعلة ومنظمة من أجل تحقيق هدف مشترك “وأولى تلك العوامل أن الاتصال العمومي يتواجد في قلب نسق مفتوح، وهو بطبيعته مفتوح على بيئته وفي حركة مستمرة، يبتغي الوصول إلى هدف ثانيا فإن الاتصال كونه غالبا ما يحمل خطاب التعبير، سيصطدم مع مقاومة أولئك (الموجودين في النسق)، الذين يبتغون بقاء الوضع على حاله و أخيرا ، فإن الاتصال العمومي على علاقة تبادلية تكاملية مع القطاعات الأخرى (الأنساق)، في بيئته من مواطنين ومؤسسات المجتمع المدني.

المبدأ السابع: التفاعل

علينا أن نحمي الاعتقاد السائد بأن الاتصال الناجح هو الاتصال الذي يصمت، لأن الاتصال هـو الـذي يجلب رد فعـل (Feed back)، فالاتصال – الواقـع مـا هـو إلا سلسلة من الأفعال وردود الأفعال، قد تكون هذه الأخيرة ذكية، بناءة وواضحة، وأحيانا أخرى أقل ذكاء، سلبية وغير واضحة.

المبدأ الثامن: المواجهة

الاتصال العمـومـي هـو مـكـان رمـزي لالتقـاء مختلف وجهات النظر والأفكار لنفس الظاهرة، فهو يجسد منطق مواجهة الأنساق المختلفة، ومنه فهو ليس نفيا لوجود الاختلاف في الرأي وإنما قبول لمواجهتها ومناقشتها.

المبدأ التاسع: التوقع

ردود الفعل أمـر مشـروع منـه ولا يمكن تجاهلها في عملية الاتصال العمومي، ومنـه فـإن مهمة هذا الأخير لا تتوقف عند توصيل الرسالة إلى الجمهـور وفقـط، بل تتعـدى ذلك إلى توقـع ردود الأفعـال وتحـضير استراتيجيات للإجابة عليها.

المرجع:

أنظر: نسرين داودي، جمال بوعجيمي، الاتصال العمومي في الجزائر: بين قناع الديمقراطية وواقع الأبوية الاستبدادية، مرجع سابق، ص142-143.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى