أنواع المقاربات الكمية والكيفية في البحوث العلمية

يعتبر تحديد واختيار أنواع المقاربات الكمية والكيفية في البحوث العلمية، خطوة منهجية مهمة. في هذا المقال سنتطرق إلى أهمية اختيار المقاربة في البحث العلمي، تعريف المقاربتين الكمية والكيفية. وتحديد معايير اختيار المقاربة المناسبة في كل نوع من البحوث. وذلك بعدما سبق وتطرقنا إلى مدخل عام للمقاربات الكمية والكيفية. (للاطلاع على المقال اضغط هنا).

تمهيد:

إن البحث العلمي مسار متماسك. ويتطلب نجاحه توفر عدة شروط وعناصر تكون متسلسلة ومنظمة بشكل منطقي ومنهجي. والتي تبدأ باختيار موضوع البحث وضبطه. وتحديد إشكاليته وتساؤلاته وأهدافه. وكذلك مقاربته ومنهجه وأدوات جمع البيانات فيه. وتعتبر هذه العناصر أساس نجاح أو فشل البحث، لهذا يتوجب على الباحث أن يتحكم بها.

أهمية اختيار  أنواع المقاربات :

المقاربة في البحث العلمي هي عبارة عن خطوة فكرية رئيسية يقوم عليها هذا الأخير. وتوجد في الحقيقة مقاربتين أساسيتين هما: المقاربة الكمية والمقاربة الكيفية. وقد بدأ الاهتمام بالمقاربة الكمية في العلوم الإنسانية.

إن تحديد واختيار أنواع المقاربات الكمية والكيفية التي يتم الاعتماد عليها في البحث العلمي سيحدد لاحقا اختيار المنهج وأدوات جمع البيانات، بحيث يتم عادة في المقاربة الكمية الاعتماد على أداة الاستبيان في حين يتم في المقاربة الكيفية الاعتماد على أداة الملاحظة أو أداة المقابلة.

تعريف المقاربة الكمية:

هي المقاربة  التي تستخدم في البحوث العلمية وعلوم المادة، مثل الفيزياء، البيولوجيا. وفي الدراسات الإحصائية للظواهر في العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل تعداد السكان في علم الاجتماع ونسب الولادات والوفيات. وكذلك في بحوث سبر الآراء وقياس نسب المشاهدة في القنوات التلفزيونية والقنوات الرقمية وغيرها.

وقد ظهرت المقاربة الكمية نتيجة محاولات تكميم السلوكيات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية. وترتب عن ذلك تطور الأساليب والمقاييس الإحصائية (مثل مقياس ليكرت). ويمكن القول عموما أن البحوث الكمية هي بحوث علمية تهدف لدراسة واختبار العلاقة بين المتغيرات والفرضيات (القياس). وتعتمد على الأساليب الإحصائية في عند جمع البيانات وتحليلها. وبمعنى آخر فهي تهدف إلى قياس الظاهرة. ويشمل القياس المتوسطات الحسابية والعمليات الرياضية.

وتعد البحوث الكمية من أكثر البحوث شيوعاً واستخداماً مـن قبـل الباحثين. وتعرف بأنها تلك البحوث التي تستخدم الأرقام في تحليل بياناتها وتخضع لشروط الصـدق والثبـات. وتعـالج بياناتها إحصائياً. ويمكن تعميم نتائجها على المجتمع الأصلي. وهي تعتمد على البحوث المسحية التي تعنى بجمع البيانـات من خلال استعمال أدوات قياس كمية. والهدف من البحوث الكمية هو التأكد من صـدق الظـاهرة. ودراسـة السـلوك وملاحظة الظواهر.

البحث الكمي هو ذلك البحث الذي يحدد فيه الباحث مشكلة البحث. ويسأل أسئلة محـددة أو يضـع فروضـا قابلـة للاختبار. ثم يجمع بيانات رقمية موضوعية من المشاركين أفراد العينة بناء على الأسئلة أو الفروض التي وضعها. ثم يحلل هذه الأرقـام باسـتخدام الأسـاليب الإحصـائية ليحصـل علـى إجابـة للأسـئلة التـي طرحهـا أو الفـروض التـي وضعها.

ينظر البحث الكمي إلى الظاهرة المدروسة باعتبارها مستقلة. ويحـاول قياسـها بشكل منعزل ومستقل. كما يهتم باستخدام أدوات تتميز بالصدق والثبات نتيجة التزامه بالموضوعية. كما يهتم بتعميم النتائج لتشمل حالات أخرى تشترك في خصائص الظاهرة.[1]

تعريف المقاربة الكيفية:

هي  المقاربة التي تستخدم في الدراسات التاريخية والقانونية بشكل عام. وكذلك الأبحاث العلمية التي تتناول وصف الظواهر الإنسانية والاجتماعية وتحليلها وفهمها وتحديد أسبابها وطرح حلول لها.  ومن بين أمثلة البحوث الكيفية في علوم الإعلام والاتصال نجد البحوث السيميولوجية. والتي تبحث في دلالات الرسائل الإعلامية الموجهة للجمهور أو الصور الإعلانية وغيرها.

ويمكن القول أن البحوث الكيفية هي البحوث العلمية التي تفترض وجود حقائق وظواهر اجتماعية. يتم بنائها من خلال وجهات نظر الأفراد، والجماعات المشاركة في البحث. وتهدف في الأساس إلى فهم الظاهرة موضوع الدراسة. وعليه ينصب الاهتمام هنا أكثر على حصر معنى الأقوال التي تم جمعها أو السلوكات التي تمت ملاحظتها.

والبحث الكيفي  هو الذي يرى في المجتمع وإنسانه وتاريخه كتابا مفتوحا، يتعلم منه، لا يعلمه. ويستخلص المعرفة مباشرة من الإنسان وعالم حياته. ويفسر التغيرات النوعية في المجتمع المعقد. فهو مفهوم مركب لمداخل نظرية ومنهجية مختلفة جدا إلى الواقع الاجتماعي.

معايير اختيار نوع المقاربة:

تستخدم المقاربات الكمية في البحوث العلمية التي تهدف إلى تحليل الظاهرة إحصائيا. واختبار العلاقة بين المتغيرات المتحكمة فيها. وتستخدم في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وفي علوم الإعلام والاتصال بشكل عام في البحوث المتعلقة بقياس الأثر، والاتجاهات والآراء.

على سبيل المثال المواضيع التي تتناول اتجاهات الطلاب نحو لبرامج التلفزيونية وغيرها. وتعتمد البحوث الكمية على المنهج التجريبي في أغلب الحالات بالإضافة إلى المنهج الوصفي.

وذلك خلافا للمقاربات الكيفية التي تستخدم في البحوث العلمية التي تهدف لوصف الظواهر وتحليلها. دون الاهتمام بقياسها عن طريق الأرقام والاحصائيات، عن طريق عرض آراء الباحثين والفاعلين في الظاهرة قيد الدراسة. بالإضافة إلى تحليل الظروف المحيطة بها انطلاقا من وجهة نظر الباحث. وذلك عن طريق البيانات والمعلومات والوثائق التي يقوم بجمعها من مصادر متعددة. ويتم الاعتماد في هذا النوع من البحوث على المنهج التاريخي والوصفي بشكل عام.

وفي مجال الإعلام والاتصال يمكن أن نذكر عدة أمثلة حول المواضيع الكيفية. منها: دور الاتصال الجواري في تعزيز ثقافة التنمية المستدامة. أو موضوع أهمية العلاقات العامة في إدارة الأزمات داخل المؤسسة.

الجمع بين المقاربتين الكمية والكيفية:

عند تحديد أنواع المقاربات الكمية والكيفية في البحوث العلمية، يمكن الجمع بين المقاربتين الكمية والكيفية في بحث علمي واحد. وذلك في حالة ما إذا كان البحث يهدف إلى دراسة ظاهرة معينة عن طريق اختبار العلاقة بين متغيراتها وقياسها إحصائيا من جهة. وتحليل النتائج الكمية المتحصل عليها كيفيا بغرض فهم وتفسير العوامل المؤثرة في الظاهرة وإيجاد حلول لها من جهة أخرى. ومن أمثلة البحوث العلمية التي يمكن أن نستخدم فيها المقاربتين معا، المواضيع التي تهتم بدراسة وتحليل المضامين الإعلامية: مثلا: المعالجة الإعلامية للاستفتاء حول الدستور من قبل قناة الشروق.

المراجع:

[1]  أنظر: بن عمروش فريدة، المقاربة الكمية والكيفية في ضوء التجربة البحثية في علوم الإعلام والاتصال، مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعيـة، المجلد 12، العدد 03، سنة 2020.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى