المساجد العتيقة موروث ثقافي هام في الجزائر

تعد المساجد العتيقة موروث ثقافي للجزائر. يعود تاريخ تشييدها إلى مئات السنين وهي تؤكد الدور الاستراتيجي الذي احتلته المدن في العصور الوسطى. ولذلك فإن حمايتها هو حماية لجزء من التراث التاريخي الأثري وبالتالي لتاريخ المنطقة. وبتراثها المادي التاريخي الغني وإمكانياتها الطبيعية المتنوعة، بإمكان الجزائر الترويج  لهذه المساجد العتيقة موروث ثقافي ومؤهلات وجعلها وسيلة لتطوير التنمية وخلق الثروة وفرص العمل. كما يمكن للسياحة الثقافية والدينية أن تكون واحدة من مجالات الاستثمار والتطوير.

موروث ثقافي هام

وذكر رئيس مصلحة التعليم القرآني والتكوين المسجدي، أحمد بن جامعي، أن عملية الإحصاء الأولي للمساجد العتيقة في ولاية تلمسان التي جندت لها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لتلمسان الأئمة المعتمدين تبعا للتعليمة الحكومية الخاصة بذلك، أسفرت عن إحصاء 91 مسجدا عتيقا منها 26 مسجدا مصنفا بمرسوم تنفيذي.

وتشير المراجع التاريخية الى أن المسجد الكبير لتلمسان بزخارفه المعمارية قد شُيد في 1136. وقد بناه المرابطون الذين شيدوا أيضا المسجد الكبير لندرومة. أما مئذنته قفد بُنيت سنة 1236.  هاذان المسجدان وغيرهما مثل مسجد المشور، ومسجد سيدي الحلوي ومسجد أغادير الذي لم تبق منه سوى آثار بعض الجدران و المئذنة، ومسجد المنصورة ومسجد العباد الذين شيدهما المرينيون منذ قرون خلت، كلها تشهد لحقب تاريخية وتحكي حضارات متميزة. بأشكالها و هندستها وتصاميمها وزخاريفها ونقوشها وقببها وأروقتها وما تحتويه من قاعات ومحارب وغير ذلك.

بالإضافة إلى ذلك تزخر مدينة وهران أيضا بالعديد من المساجد العتيقة التي تم تشييدها عبر فترات متلاحقة منذ الفتح الإسلامي ساهمت في نشر أنوار الهداية والإشعاع الفكري. كما ارتبط البعض منها بأحداث تاريخية هامة عرفتها المدينة.

وقد تعرضت هذه المساجد التاريخية خلال الاحتلال الإسباني والفرنسي الذي دام أزيد من أربعة قرون إلى أعمال التخريب والغلق وطمس بعض معالمها المعمارية و استغلال البعض منها كمخازن للأسلحة ولمأرب أخرى. كما تم الاستيلاء على أوقافها. رغم الاعتداءات التي طالت هذه المنشآت الدينية والتعليمية لا يزال بعض هذه الجوامع الأثرية يواصل أداء وظائفه الدينية، ومنها جامع الباشا، ومسجد الباي محمد بن عثمان الكبير، ومسجد محمد الباي، ومسجد الإمام الهواري.

شاهد على التحرر من الاسبان

يعتبر جامع الباشا أحد أهم المساجد العتيقة في وهران تم تشييده من قبل الباي محمد الكبير مباشرة بعد تحرير وهران من الاحتلال الإسباني سنة 1792. بأمر من حاكم أيالة الجزائر، حسن باشا. وذلك شكرا لله على تمكينهم من طرد الأسبان بعد حوالي ثلاثة قرون من الاحتلال للمدينة، حسبما ذكره رئيس مصلحة الثقافة الإسلامية والتعليم القرآني بذات المديرية، مخفي بوخماشة، استنادا إلى مصادر تاريخية.

ولا تزال اللوحة الرخامية التأسيسية لهذا الجامع الذي افتتح سنة 1796 والموجودة حاليا بمتحف أحمد زبانة بوهران تؤرخ لهذا النصر. وشيد هذا الجامع الأعظم آنذاك على طراز المساجد العثمانية ذات القبة المركزية يحيط بها 12 قبة صغيرة وأسفل القبة دكة تعلو بيت الصلاة كان المؤذن يرفع من عليها الأذان، فيما أنجزت المئذنة ثمانية الأوجه في الركن الجنوبي الشرقي للجامع.

وتفيد المصادر التاريخية أنه بفضل هذا المسجد الذي تفوق مساحته 1.382 متر مربع. والواقع غير بعيد عن قصر الباي بالضفة الشرقية لواد الرحي (واد رأس العين حاليا) بحي سيدي الهواري، تأسست مدينة جديدة تشكلت من عدة أحياء بمحيطه. وقد تم إغلاق المسجد سنة 2009 بعد حدوث تشققات على مستوى أرضية بيت الصلاة والأعمدة والدعامات.

وفي سنة 2017 تم التوقيع على اتفاقية ترميم المسجد وقصر الباي بوهران بين مديرية التعمير والبناء و الوكالة التركية للتعاون والتنمية (تيكا) وبتمويل من المجمع التركي الخاضع للقانون الجزائري “توسيالي” غير أن المشروع لا يزال في مرحلة الدراسات التقنية. حسب المديرية المذكورة. كما لجأت 14 عائلة تعرضت عمارتها للانهيار إلى هذا المسجد المصنف سنة 1952 ولا تزال تتخذ منه مأوى لها مما يشكل عقبة لإنجاز مشروع الترميم والتأهيل. 

استغلال المساجد في الثورة

وإلى جانب هذا الجامع هناك مسجد محمد بن عثمان الكبير.  الذي تفوق مساحته 1.394متر مربع. شيد من سنة 1799 بالضفة الغربية لوادي رأس العين وحولته السلطات الاستعمارية إلى مستشفى عسكري (بودانس) وطمست بعض معالمه المعمارية. وقد تم ترميم هذا المسجد سنة 1980. غير أن الحجارة الصغيرة لا تزال تتساقط من منارته المزخرفة الرباعية الأوجه والمنفصلة عن بيت الصلاة, كما لوحظ.

كما أسس العثمانيون مسجد محمد الباي بمنطقة خرق النطاح سنة 1793. وقام المستعمر الفرنسي بغلقه ولم يسمح بالصلاة فيه إلا بسنوات قبيل اندلاع الثورة التحريرية المجيدة. كان هذا المسجد في الأصل زاوية أسسها الولي الصالح محمد بن عمر الهواري (1350- 1439) بالحي الذي يحمل اسمه وشيد خلفه ضريحه الذي لا يزال إلى اليوم مزارا ومقصدا للوافدين على وهران.

وكانت الزاوية ومدرستها التي تأسست في عهد الزيانيين تقوم بتدريس العلوم الدينية وواصلت نشاطها لفترات متلاحقة. ومع دخول المستعمر الفرنسي تم تحويله إلى مخزن للعتاد العسكري ولم يستأنف وظيفته الدينية إلا بعد الاستقلال. 

ترميم المساجد العتيقة وحمايتها

رغم ذلك توجد بعض المساجد العتيقة بولاية تلمسان في حالة تدهور وبحاجة ماسة إلى ترميم. ما دفع مديرية الشؤون الدينية والأوقاف للولاية إلى التفكير في تشكيل لجنة تتكون من اطاراتها وبالتعاون مع قطاع الثقافة لمعاينة هذا التراث المادي وتصنيف طبيعة الترميم الذي تحتاج إليه.

فرغم استفادة بعض المساجد القديمة العديدة بولاية تلمسان من ميزانية كبيرة من سلطات البلاد بمناسبة تظاهرة “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية” التي نظمت من 2011 إلى 2012 ومكنت من تعزيز جزء من هذا التراث المادي، إلا أن جزء منها يوجد اليوم في حالة متدهورة تستدعي إعادة الاعتبار للمحافظة عليها وحمايتها من الاندثار.

وكان قد استفاد في إطار التظاهرة الدولية “تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية” المسجدين الكبيرين بمدينتي تلمسان وندرومة ومساجد سيدي إبراهيم وأولاد الإمام وسيدي يدون في عاصمة الولاية والمسجد العتيق لبني سنوس من عملية الترميم. وتؤكد مديرية الشؤون الدينية للولاية أن مساجد “أغادير” و”سيدي بوسحاق الطيار” بأعالي “العباد” في مدينة تلمسان عبارة عن “أطلال وهما في حالة تدهور ولم يشهدا أي أعمال للصيانة”.

في وهران أيضا وتحتاج جل المساجد الأثرية اليوم إلى عمليات ترميم وصيانة لحمايتها من التدهور والمحافظة على قيمتها المعمارية حيث تم مؤخرا تقديم طلب في هذا الشأن الى السلطات المعنية، وفق ما أفاد به لوأج مدير الشؤون الدينية والأوقاف. مسعود عميروش.

مساجد جديدة.. موروث جديد

وبالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على هذا التراث التاريخي ذي القيمة الكبيرة، هناك حوالي 183 مسجدًا جديدًا قيد الإنجاز حاليًا عبر المواقع السكنية الجديدة للولاية وهي مشاريع من إنجاز المحسنين والجمعيات الدينية. وحسب رئيس مصلحة التعليم القرآني والتكوين المسجدي لمديرية الشؤون الدينية، أحمد بن جامعي، فان التكلفة المالية لبناء مسجد واحد تقدر ب120 مليون دج. للاشارة تضم ولاية تلمسان 931 مسجداً وقد تلقت المديرية الولائية للشؤون الدينية والأوقاف منذ بداية العام الجاري 150 ملفا جديدا لمشاريع بناء مساجد أخرى.

وتبقى المساجد العتيقة موروث ثقافي هام، حيث لعبت دورا تاريخيا بارزا في الحياة الثقافية والحضارية في فترات مختلفة. فكانت مقصد العلماء والطلاب و دارس لعلوم الفقه واللغة و الأدب. وتأثرت بعوامل تاريخية كالاستعمار، إلى جانب عامل الزمن والطبيعة وإن هي اندثرت فسيندثر معها جزء من التاريخ لأنها فعلا متحف مفتوح على الطبيعة.

المصدر: سوبرنوفا/و.أ.ج

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى