سر الحياة ومعادلة السعادة الأبدية في الفاتحة

يردد المسلم سورة الفاتحة، هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع، سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الحد الأدنى وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن، فهل يعرف معاني سورة الفاتحة التي يرددها يوميا؟ نشرح في هذا المقال معانيها باختصار والأهم روح هذه السورة ولماذا أنزلها الله عزوجل وافتتح بها كتابه العظيم وكلامه المقدس المنزه، وجعلها بداية الصلاة “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب”؟

إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية وكليات التصور الإسلامي وكليات المشاعر والتوجيهات ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة وحكمة وبطلان كل صلاة لا تذكر فيها، إنها سورة شاملة لكليات الدين والتصور الاسلامي للحياة.

بين أول آية نزلت و آول آية في المصحف

البدء بـ”بسم الله الرحمن الرحيم” هي أول قاعدة من القواعد الشاملة لكليات الدين والتصور الاسلامي للحياة. والبدء باسم الله الرحمن الرحيم والأرجح أنها آية في سورة الفاتحة هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه وعباده فهو نفس المعنى والقاعدة التي تضمتها أول آية نزلت من القرآن باتفاق. وهو قوله تعالى “اقرأ باسم ربك” وهو الذي يتفق مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى الأولى.

أول قاعدة في التصور الاسلامي العام وتتضمنها “بسم الله الرحمن الرحيم” وهي أول آية في المصحف و”اقرأ باسم ربك الذي خلق” وهي أول آية نزلت على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. والمقصود بـ”بسم الله” أي أبدا باسم الله لأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن فهو سبحانه الموجود الحق الذي يستمد منه كل موجود وجوده ويبدأ منه كل مبدوء بدأه فباسمه إذن يكون كل ابتداء وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه ووصفه سبحانه في البدء بالرحمن الرحيم يستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها.

لماذا الرحمن الرحيم دون 99 اسما لله؟

القاعدة الثانية في التصور الاسلامي هي “الرحمن الرحيم” أي الله وحده لا شريك له من له اجتماع هاتين الصفتين كما أنه المختص وحده بصفة الرحمن فمن الجائز أن يوصف عبد من عباده بأنه رحيم، ولكن من الممتنع من الناحية الإيمانية أن يوصف عبد من عباده بأنه رحمن، وبهاتين الصفتين تكون رحمته وسعت الكل. والرحمن الرحيم أي حق العباد على الله رحمتهم وإسعادهم فالرحمة جوهر علاقة الخالق بخلقه إن وحدوه وعبدوه حق عبادته وبدؤوا باسمه وانتهوا له.

القاعدة الأولى والثانية في التصور الإسلامي موجودة في بسم الله الرحمن الرحيم وتحدد العلاقة كاملة بين الخالق وخلقه = باسم الله أي تبدأ الحياة وتنتهي في كل أمورها باسم الله وحده به وله. وهذا حق الله على العباد وأن يرحمهم فهو الرحمن الرحيم وماخلقهم إلا ليرحمهم إن وحدوه وعبدوه حق عبادته. ولهذا اقترنت الرحمن الرحيم بالله دون باقي كل أسماء الله الحسني في بسم الله الرحمن الرحيم.

التوحيد خير ما تتعلمه على الإطلاق

القاعدة الثالثة من قواعد التصور الإسلامي هي تفصيل للقاعدة الأولى في آيات سورة الفاتحة فالأنواع الثلاثة من التوحيد المطالب به العبد لربه مذكورة في الفاتحة وهي أساس الحياة وعلاقة العبد بربه.

الحمد لله: توحيد الألوهية وتوحيد الصفات بأهم صفة هي صفة الحمد لله عزوجل فأول ما قاله آدم عليه السلام الحمد لله عندما سرت فيه روح لما خلق. وهو توحيد العبادة والطلب والقصد أي أن تخلص كل عباداتك لله وحده لا شريك له دون رياء أو إشراك في نيتك لهذه العبادة لغير الله وله برياء وتظاهر. ويدخل فيها إخلاص التأله لله تعالى من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والدعاء لله وحده لا شريك له، كل شي بما فيها رغبة في أمر أو رهبة، فلا ترغب إلا في وبالله ولا ترهب إلا من وبالله.

ويشرحه الله عزوجل أكثر في الاية التي بعدها “إياك نعبد وإياك نستعين” وهذا التوحيد هو أول الدين والحياة وآخرها وهو أول دعوة الرسل وآخرها وسر الحياة الأكبر للنجاة والسعادة والفوز وهو معنى قول لا إله إلا الله. هذا ملخص توحيد أولوهية ومهم دراسته بالتفصيل فهو عماد الحياة وسعادتها والفوز في دنيا والآخرة.

رب العالمين رب: من الربوبية لخلقه وتربيتهتهم تربية عامة لجميع خلقه دون استثناء برزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم وبقاؤهم في الدنيا وتربية خاصة لأوليائه فيربيهم بالايمان والهدى إليه والحق وهي تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر. والعالمين، كل ماسوى الله فهو من العالمين.

إياك نعبد وإياك نستعين..مختصر الحياة السعيدة

في قول الله “إياك نعبد وإياك نستعين” تقديم العام على الخاص فقدم سبحانه العبادة على الاستعانة فقدم حقه تعالى على عباده بوجوب عبادتهم له وتوحيد حق العبادة والتوحيد ثم اعانتهم ورحمتهم وإسعادهم من عنده وحده لا شريك له.

وهنا نجد قانونا عظيما من قوانين القرآن والحياة في هذه الآية فقط كتبت فيها عشرات الكتب والقانون أو المعادلة باختصار هي: السعادة الأبدية= عبادة الله حق عبادته وتوحيده + الاستعانة بالله في كل أمر. ونشير هنا إلى كتاب مهم شرح معادلة السعادة الأبدية لتحقيقها يمكن الرجوع إليه “مدارج السالكين بين إياك نعب وإياك نستعين”. العبادة= هي اسم جامع لكل مايحبه ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة “يجب أن تكون مأخوذة عن الرسول+ مقصود بها وجه الله وحده”. عبادة لوجهه وحده لاشريك له، على الوجه الذي يرضيه عنا. الاستعانة بالله = هي الاعتماد على الله تعالي في كل أمر في جلب المنافع ودفع المضار والثقة به في تحقيق ذلك كل الثقة واليقين وأن الخير كل الخير فيما إختاره الله والرضا كل الرضا بقضاءه وقدره خيره وشره وهو كله خير.اهدنا الصراط المستقيم= من أجمع وأكمل الأدعية وأفضلها وأنفعها وهو الصراط للمستقيم الهداية والحق ولله عزوجل.

من المغضوب عليهم ومن الضالين؟

المغضوب عليهم= عرفوا الحق وعلموا كل هذا وتركوه ولم يتبعوه وهم اليهود. والضالين= تركوا الحق ولم يتبعوه عن جهل وضلالة وهم النصارى. وهما الطريقين المعوجين غير المستقيمين غير مؤديين للقاء الله عزوجل وللسعادة به سبحانه وتعالى.الكاتب: زين بن نبي

المصادر: تفسير الطبري، أيسر التفاسير، تفسير السعدي، تفسير الشيخ ابن باديس “مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير”.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى