لماذا أصبحت المحاضرات في واد والأعمال الموجهة في واد آخر؟!

لاحظت خلال سنوات طويلة من الدراسة ثم التدريس في الجامعة، غياب شبه تام للتنسيق بين المحاضرات والأعمال الموجهة في تخصص الإعلام والاتصال. والاعتماد الشبه كلي في هذه الأخيرة على البحوث. والتي لا فائدة منها أبدا خاصة في بعض المقاييس التي تصبح فيها البحوث أضحوكة ومسخرة. وذلك على غرار المنهجية، فنيات التحرير، حملات الاتصال العمومي، التسويق والاشهار وغيرها كثير.

ورغم اجتهاد بعض أساتذة الأعمال الموجهة في الابتعاد عن البحوث ومحاولة تكليف الطلبة بأعمال تطبيقية، أرى أنه من الضروري أن تكون هذه الاجتهادات منطقية وعملية. وتتماشى مع ما يتلقاه الطلبة في المحاضرات. واحترام تقدم الدروس وتسلسلها في ذلك.

من غير المنطقي مثلا، أن يقسم أستاذ الأعمال الموجهة، الطلبة إلى أفواج. ويطلب من كل فوج أن يقدم تصميم حملة، مثلا، في مقياس حملات الاتصال العمومي، اعتقادا منه بأن هذه الطريقة أفضل من البحوث. وبالفعل فهي كذلك، شرط ألا يتم كل أسبوع تقديم عمل فوج محدد.

ضرورة التخلي عن فكرة كل أسبوع فوج

من غير المعقول أن تطلب من فوج من الطلبة تصميم حملة وتقديمها في الأسبوع الأول أو الثاني من انطلاق الدراسة. وهو لم يتعرض بعد إلى خطوات التصميم في المحاضرة.
أرى أن الأعمال الموجهة في بعض المقاييس تحتاج إلى سيرورة زمنية تسمح لجميع الطلبة بتطبيق ما يتلقونه من معارف في المحاضرة. وذلك بمساعدة وتوجيه الأستاذ المطبق.

إن فكرة كل أسبوع فوج، هي فكرة سطحية وغير عادلة. إذا أخذنا نفس المثال، في مقياس حملات الاتصال العمومي، فانه من غير العدل أن يقدم الفوج الأول تصميم حملة. وهو لم يتلق بعد المعارف النظرية المتعلقة بذلك في المحاضرة. في حين يقدم الفوج الأخير عمله بعد تلقي ذلك. حتى لو افترضنا أن أستاذ الأعمال الموجهة سيراعي ذلك في التقييم، فإن المسألة الأساسية تتعلق بالتدريب وليس بالتقييم. ولو افترضنا أن الأستاذ سيقدم بعض الملاحظات حول كيفية التصميم فانها تبقى غير كافية بالنظر إلى محتوى المحاضرة الذي يفصل في ذلك. وتحقيق الهدف من برمجة محاضرة وأعمال موجهة في نفس المقياس.

إن فكرة كل أسبوع فوج، علاوة على ذلك، تعتبر غير عملية، وتساهم في نشر الكسل لدى الطلبة. وتلاشي اهتمامهم بالمقياس بمجرد تقديم عملهم التطبيقي، حتى لو كان الأستاذ المطبق يأخذ بعين الاعتبار  المشاركة والانضباط في التقييم. لأننا نناقش هنا الاهتمام بالمعرفة وليس بالعلامة.

التدرج في انجاز الأعمال الموجهة وفقا لتقدم المحاضرات

الفكرة التي وجدتها في مشواري العلمي مناسبة، خاصة في مقاييس مثل المنهجية أو حملات الاتصال العمومية، وغيرها كثير، أن تصمم الأعمال الموجهة بشكل يضمن العدل بين الطلبة واستمرارية اهتمامهم بالمقياس. وتطبيق المعارف التي يتلقونها في المحاضرة.

وتقوم هذه الفكرة على تقسيم الطلبة إلى أفواج، أو عمل فردي. بحيث يقوم كل فوج بتصميم مشروع عمله، مثلا تصميم حملة في مقياس حملات الاتصال العمومي، بشكل تدريجي. بحيث تناقش الأفواج في كل حصة أعمال موجهة المرحلة التي وصلت إليها والصعوبات التي وجدتها مع الأستاذ المشرف. بداية باختيار موضوع الحملة، تحديد أهدافها، صياغة الشعار، وغيرها من الخطوات بالتسلسل مع ما يتم تقديمه في المحاضرة.

بهذه الطريقة ستتمكن كل الأفواج من تطبيق ما يتلقونه في المحاضرة خطوة بخطوة. وفي نفس الوقت سيستفيدون من تطوير أعمالهم تحت اشراف الأستاذ المطبق. بحيث في نهاية السداسي، يقدم كل فوج منهم عملا مكتملا يضم جميع العناصر. يقوم الأستاذ المشرف، بعدها، بتقييم الأعمال بنفس الطريقة، ويمكنه برمجة حصة لمناقشة الأخطاء الشائعة التي وقع فيها الطلبة بشكل عام.

نفس الفكرة يمكن تطبيقها في مقياس ملتقى المنهجية من خلال اختيار موضوع بحث، وتحديد اشكاليته، ثم منهجه وأدواته حصة بعد حصة، إلى غاية الوصول إلى النتائج. في النهاية يقدم جميع الطلبة عملا متكاملا.

الإجتماع التنسيقي حاسم في بداية السداسي

وربما من بين المواقف الكارثية التي صادفتني في مساري المهني، عندما اكتشفت خلال الاجتماع التنسيقي للسداسي الأول(مع الأسف يعقد في نهاية السداسي في الجامعة التي أعمل بها وليس في بدايته، وتلك مشكلة أخرى) أن أحد أساتذة الأعمال الموجهة في المقياس الذي أدرسه،  والذي لم أتمكن من التواصل معه رغم محاولاتي ولم يكلف نفسه التواصل معي، كلف الطلبة بانجاز بحوث لمواضيع برنامج السداسي الثاني.

الأمر الذي أثار استغرابي أن معظم طلبة ذلك الفوج كانوا حاضرين في المحاضرات التي أقدمها، ولا أحد قام بتنبيهي أو تنبيه الأستاذ المطبق إلى أن ما يتلقونه ليس نفس الشيء. وذلك ببساطة لأنهم تعودوا على غياب التناسق بين ما يقدم لهم في المحاضرات وما يطبقونه في الأعمال الموجهة.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى