ترتيب سور القرآن الكريم وسر الترابط بينها

هذا الكتاب.. سلسلة مقالات تتناول في كل مرة مجموعة من السور القرآنية وتوضح أهدافها بصورة مختصرة ومبسطة وطريقة علمية وبحثية مترابطة. في كل مقال نغوص أكثر في “هذا الكتاب” لفهم كلام الله وما أراد قوله لنا من خلال 114 سورة، وسر ترتيب سور القرآن والترابط بينها. حيث نقرأ البعض منها في الصلاة كل يوم، ونقرأها جميعا في رمضان وخارجه، ولكن ما الذي فهمناه من تلك القراءات وختمات القرآن المتتالية؟

هل تعرف ما هي الرسائل التي يوجهها لنا الله في 114 سورة؟ كيف ستفك معاني تلك الرسائل وتفهمها وتتدبرها كما أمرك خالقك الأرحم بك من نفسك و الأدرى بحالك؟. في هذه السلسة وعلى مدار شهر رمضان سنحاول فهم رسائل الله لنا إنطلاقا من القرآن الكريم والسنة النبوية وبالإعتماد على مراجع تفاسير كبار علماء الأمة. في ملخصات عامة مبسطة مترابطة تقدم الفكرة العامة لكل رسالة وسورة من سور القرآن الكريم، مغزها والهدف المرجو منها في إطار الهدف العام للقرآن الكريم ومقصده العظيم. وفهم سبب ترتيب سور القرآن في المصحف.

ملخصات مبسطة لفهم القرآن

في “هذا الكتاب” سنعيش مع كل سورة و جزء من القرآن الكريم كل يوم وليلة طيلة أيام وليالي شهر القرآن الكريم، فتكون ملخصات مبسطة شارحة وخرائط ذهنية مترابطة تعيننا على التركيز أكثر في سور القرآن وفهم رسائلها ومغزاها خلال تلاوتها أو الاستماع لها في صلاة التراويح فتكون باذن الله تجربة قراءة القرآن القادمة أو الاستماع لكلام ربنا من إمام تراويح أو مقرئ المذياع بالسيارة، تجربة مختلفة وكأنك أول مرة تقرؤه وتفهمه وتعيش معه.

كل سورة هي كائن ولها شخصيتها يبدو لنا أن آياتها متشعبة غير متناسقة وفي موضوعات مختلفة ولكن في الحقيقة هي بفكرة واحدة موحدة وإن كانت بأبعاد مختلفة ولكن تخدم في النهاية فكرة عامة للسورة، بحيث كل سورة بفكرتها العامة وشخصيتها تخدم المغزى والفكرة العامة والهدف الأسمي للقران الكريم في ترابط عجيب. وماهذه إلا زاوية بسيطة ومحاولة متواضعة لفهم أسرار هذا الكتاب العظيم.

 الترابط بين سور القرآن وترتيبها

هناك ترابط سحري عجيب بين السور وترتتيبها وتراتبها. وهو ارتباط لوحدة الرسالة وتسلسها المنهجي لاصلاح الإنسان وتوجيهه للحق والطريق المستقيم طيلة المسار. وسنتناول هنا “معالم الطريق إلى الله ولقائه بسعادة ورضا من سورة الفاتحة إلى سورة آل عمران”. ليظهر لنا سر ترتيب سور القرآن والحكمة من ذلك.

سورة الفاتحة تلخص معرفة الحق ونعمة الهداية بمعرفة علاقة الخالق بخلقه وحق الرب على عباده وتوحيده وعبادته حق عبادته، وحق العبد على ربه رحمته وإسعاده إن وحده وعبده حق عبادته ويهديه الصراط المستقيم.

ونلاحظ أنه في قوله الله عز وجل “اياك نعبد واياك نستعين” تقديم العام على الخاص فقدم سبحانه العبادة على الاستعانة فقدم حقه تعالى على عباده بوجوب عبادتهم له وتوحيد حق العبادة والتوحيد، ثم إعانتهم ورحمتهم وإسعادهم من عنده وحده لا شريك له. وهنا نجد قانونا عظيما من قوانين القران والحياة في هذه الاية فقط كتبت فيها عشرات الكتب، وهذا القانون أو المعادلة باختصار هي: السعادة الأبدية = عبادة الله حق عبادته وتوحيده + الاستعانة بالله في كل أمر (إياك نعبد وإياك نستعين).

وأواخر سورة الفاتحة مرتبطة بسورة البقرة بل سورة البقرة كلها جواب واستجابة لدعاء آخر الفاتحة “اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين”، فكان الجواب بعد معرفة الحق والهداية لمعادلة السعادة الأبدية في سورة الفاتحة.

الاستجابة لدعاء آخر سورة الفاتحة اللهم اهدنا الصراط المستقيم الموصل لهذا الحق ومنهج معادلة السعادة الأبدية التي اكتشفناها في سورة للفاتحة..الجواب الصراط المستقيم كان في 286 آية من سورة البقرة، بأمثلة من البشر وعلاقتهم بالحق والسعادة من خلق آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

سورة البقرة التي اختتمت بالنموذج البشري الأسعد آمن الرسول ومن معه وهو مجتمع المدينة المنورة متمثلة في أعظم الآيات “آمن الرسول بما أنزل إليه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير” والآية التي تليها إلى آخر سورة البقرة، وهي الايتين الوحيديتين التي نزلت على النبي صلي الله عليه وسلم في السماء وهي كنز تحت عرش الرحمن وهبت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الاسراء والمعراج، لأنهما ثمرة اتباع الصراط المستقيم.

وفي مضمونه وصف للمجتمع الأمثل للبشرية والحالة الأعلى من القمة والصلاح التي يمكن أن يصل لها الانسان والمجتمع البشري. وهو مجتمع “المدينة المتورة” بعد أكثر من 13 سنة من إصلاح من مع رسول صلي الله عليه وسلم “آمن الرسول بما أنزل إليه والمؤمنون..” وإلى آخر سورة البقرة التي تنتهي بدعاء للثبات على الحق بعد معرفته واتباعه وثبات على طريق المستقيم إلى يوم لقاء الله عز وجل.

 

جواب دعاء الثبات على الطريق المستقيم في سورة البقرة كان في 200 آية من سورة آل عمران، بثبات النفس داخليا أمام شهوات وتحديات النفس البشرية وخارجيا أمام الأفكار الخارجية والباطنية فالدين عند الله الإسلام وما عدا ذلك باطلا وجهلا وطريق غير مستقيم غير مؤدي إلى الله بسعادة ورضا.

تجيب السورة التي بعد البقرة، أي سورة آل عمران على الدعاء الذي جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين أواخر سورة البقرة بعد اكتمال بناء المتجمع النموذجي الذي عرف الحق ومعادلة السعادة الأبدية التي تضمنتها سورة الفاتحة والطريق المستقيم إليها الذي تضمنته سورة البقرة والوصول إلى قمة الصلاح والكمال البشري، وهو الثبات في هذا الاكتمال وعلى الطريق المستقيم بعد معرفة الحق ومنهج الطريق المستقيم وإتباعه والثبات عليه إلى يوم لقاء الله عز وجل.

والجواب كان في الفكرة العامة لسورة آل عمران وعدد آياته 200  جاءت متشعبة لكنها كلها تخدم فكرة ثبات للفرد الذي عرف الحق والطريق المستقيم: الثبات داخليا بمعرفة وكيفية مواجهة شهوات وتحديات النفس البشرية، والثبات خارجيا بمعرفة وكيفية مواجهة الأفكار والتحديات الخارجية، أي خارج الفرد والموثرات التي يمكن أن تحيده عن الطريق المستقيم لبلوغ الحق ولقاء ربه سعيدا رضيا.

وبعد معرفة الحق والمعادلة (سورة الفاتحة ) وبناء الفرد المتبع لهذا الحق وفق صراط مستقيم للسعادة الأبدية في دارين (سورة البقرة ) والثبات على هذه الطريق في ظل الموثرات الداخلية والخارجية للنفس البشرية ( سورة آل عمران) والتيقن من بناء الفرد القوي السعيد الثابت بالحق من خلال هذه السور الثلاث تجيبنا سورة النساء على خواتيم سورة آل عمران بما يتعدى الفرد ونوره وبناءه القوي إلى محيطه.

يتبع…

الكاتب: زين بن نبي

المصادر: تفسير الطبري، أيسر التفاسير السعدي، تفسير الشيخ بن باديس، خرائط ذهنية لفهم القرآن للدرويش.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى