المترجم الجزائري الكبير الذي اشتهر في الغرب ولم يسمع به العرب

جمال الدين بن الشيخ، كاتب ومترجم جزائري كبير راحل، كان يجيد اللغة الفرنسية ويدرس في جامعة السوربون، ولكنه اهتم بترجمة الأعمال العربية لنشرها لدى القارىء الغربي، من بينها ترجمة قصة حادثة الإسراء والمعراج. توفي سنة 2005.

الترجمة جسر عبور للآخر

كان جمال الدين بن الشيخ يعتبر أن الترجمة هي جسر عبور إلى الآخر، لا سيما ترجمة الشّعْر العربي الذي كان مهتما بالبحث فيه. توجه، في بداية عمله النّقْديّ، إلى الاهتمام بخمْريّات أبي نواس وأشْعار المتنبّي، بحْثاً وترْجمة، مثْلما خصّ الأنْسكلوبيديا العالميّة بدراسة لمّاحة حول “الغنائيّة في الشّعْر العربيّ”.

اشتهر بكتابه “الشّعْريّة العربيّة”، الّذي عَمِلَ، بوصْفه مشْروع قراءةٍ نقْديّة، على تفْكيك مقولات الاسْتِشْراق الغرْبيّ عامّة، والفرنْسيّ تحديداً. ااستحقّ مشروعُ التّرجمة في فكْر ابن الشّيخ وعمله الأكاديميّ منزلةً خاصّة، وهو الذي كان يعتبر الترجمة عاملاً مهمّاً في الحوار بين الشّرق والغَرْب.

ترجمة قصة الاسراء والمعراج

ترجم الكاتب في هذا الإطار خمريات أبي نواس، وأشعار المتنبي، ومقاطع مهمّة من مقدّمة ابن خلْدون، وقصّة الإسْراء والمعراج محقّقة ومُسْتقاة من عددٍ هامّ من المصادر تحت عنوانه الأصلي «الحلم الوهاج والحديث الهياج بمعجزة الإسراء والمعراج»، وفيه نجِدُ عملاً متكاملاً عنْ هذه الرّحلة النبويّة، ترجمةً وتعْليقاً ومُقارنةً بيْن الروايات المُختلفة بِخُصوصِها، مُبْرزاً قوّة السّرْد والمُتخيّل الخارق لكلّ حدّ، والرّؤية التي يعتمدها في التّعامل الخَشوع مع الإسْلام الّذي كان يُنادي بروحانيّته ضدّ نزْعة الاستبداد والتّسلُّط.

“ألف ليلة وليلة” مشروع عمره

رغم ما قام به جمال الدين بن شيخ من ترجمة غيْر أنَّ مشروع عمره كان هو التّرجمة الكاملة لكتاب «ألف ليلة وليلة»، التي حرص على إتمامها رفقة صديقه المستشرق أنْدري ميكيل.

استغرق إنجاز هذا العمل الضّخْم سنوات من الصَّبْر والأناة تخلّلتْها عدة دراسات حول الحكايات نفسها مثل «ألف ليلة وليلة أو القول الأسير»، و«ألف حكاية وحكاية لليل» بتعاون مع أندري ميكيل، بل إنّ ابن الشّيخ أنشأ في «كوليج دوفرانس» تجمُّعاً للبحث في حكايات ألف ليلة وليلة بوصفها تضم عيون السرد العربي العجائبي، وأحد أهم وأجمل الأعمال الرئيسية التي خلَّدتْها الثقافة الإنسانية وآدابها عبر تاريخها الطويل. 

مترجم كبير غير معروف عندنا

ويقول المترجم الجزائري ميلود عمير، عن جمال الذي ذكره الكاتب سعيد خطيبي، في مقدمة روايته الجديدة “حطب سرايفو”، “يذكرنا سعيد خطيبي بالكاتب الجزائري الراحل جمال الدين بن الشيخ؛ أين أدرج مقولة له جميلة: “لا أحد يتكلم غيري، إلا أنني سأتكلم بفم مغلق”. ورغم أن جمال عاش مغتربا في فرنسا وكان يجيد اللغة الفرنسية بكفاءة واقتدار، بحيث كان يدرّس كأكاديمي في جامعة السوربون؛ لكنه كرّس جهده ووقته كله في الاشتغال على التراث العربي الإسلامي، دراسة وترجمة؛ هكذا ترجم كثيرا من الشعر العربي القديم والمعاصر، وعرّف به في فرنسا والغرب، كما ترجم “ألف ليلة وليلة” بجميع أجزائها، ترجمة جديدة ومنقحة؛ بحيث أدرجت ضمن سلسلة “La Pléiade” الشهيرة، المتخصصة في إصدار الآثار الإنسانية العظيمة عبر التاريخ. كما ألف كتابا مهما يحمل عنوان: “الشعرية العربية”، تصدّى لترجمته ثلاثة من المترجمين المغاربة، وصدر في المغرب؛ اعتبروه مرجعا أساسيا، في الإحاطة بالشعر العربي وإدراك خصوصياته، صار يدرَّس، حسبهم، في أغلب كبريات الجامعات العالميّة. جمال الدين بن الشيخ، يبدو للأسف غير معروف عندنا، أو يكاد؛ لم يحظ بالاهتمام الذي يليق به، فلا ملتقيات عنه، ولا تسمية باسمه على مؤسسات ثقافية، ولا ترجمة لأعماله الشعرية والنقدية”.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

المصدر
المصدر
زر الذهاب إلى الأعلى