أخر الأخبار

شباب وعائلات جزائرية تخرج من الفقر وتحقق أرباحا بفضل استغلال التين الشوكي

يهتم الجزائريون بزراعة التين الشوكي وخاصة سكان الشرق، واستغلاله في انتاج مستحضرات التجميل والمنتجات. وهي الزراعة التي أنقذت الكثير من العائلات من الجوع والشباب من البطالة والهجرة غير الشرعية.

في ولاية سوق أهراس، بلدية سيدي فرج، أنقذ التين الشوكي المنطقة من الفقر والبطالة، وحولها إلى منطقة صناعية، أين قامت العائلات بإنشاء وحدتين صناعيتين لإنتاج الزيت، الخل والعصير من الين الشوكي. يؤكد المزارع فتحي غلداسمي من سيدي فرج أن مستقبله في مسقط رأسه ولا جدوى من الهجرة، فهذه البلدة تزدهر بفضل انتشار زراعة التين الشوكي التي أعادت الأمل والرزق للسكان.

التين الشوكي الذهب الأخضر في الجزائر

وقد انتشر هذا النوع من النبات المعروف باسمه العلمي “أوبونتيا فيكوس إنديكا” وأصله من المكسيك، في 26 دولة منها دول حوض البحر المتوسط، بعد اكتشاف الأميركيتين في القرن الخامس عشر.

الذهب الأخضر هو الاسم الذي يطلقه علماء الزراعة على التين الشوكي أو ما يعرف أيضا بثمار الصبار أو “الهندي” في الجزائر وتونس و”الكرموص” في المغرب، ويسمى أيضا بسلطان الغلال حيث يمكن الاستفادة من كل أجزائه باستثناء الأشواك لتحقيق فوائد غذائية وطبية. 

أوراق النبتة مفلطحة كبيرة مغطاة بالأشواك، وهي جزء من المناظر الطبيعية في المناطق الريفية القاحلة بالجزائر منذ عدة قرون، لكن ثمار التين الشوكي لم تكن يوما مصدر رزق لعيش رغيد، رغم أنها كانت مصدرا أساسيا لتغذية سكان المنطقة وخاصة الفقراء منهم والعلف الخاص بالحيوانات أنقذهم مرات من المجاعات خاصة في فترة الاستعمار الفرنسي.

وكما قال يوسف غلداسمي، ففي السوق المحلية، تباع حبة التين الشوكي بسعر بخس لا يتخطى عشرة دنانير، ما دفع مزارعي سيدي فرج إلى ترك جزء من المنتوج يتعفن أو علفا للحيوانات. ولكن في السنوات الأخيرة، زاد الاهتمام في سائر أنحاء العالم بمستحضرات التجميل أو المنتجات الغذائية المشتقة من التين الشوكي. وقد كشفت دراسات علمية خصائص غذائية وطبية كثيرة لهذا النبات الذي يمكن الاستفادة من كل مكوناته ما عدا الشوك.

وكثيرة هي المجلات في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة التي تحدثت عن مزايا زيت التين الشوكي المستخرج من البذور، كمضاد للشيخوخة وهو بات يلقى رواجا كبيرا في صناعة مستحضرات التجميل، حتى أن خصائصه كمضاد للأكسدة تبدو أقوى من زيت الأرغان الشهير بمنافعه.

وتستهلك زهور التين الشوكي الغني خصوصا بالفيتامين “سي” والكالسيوم والمغنيسيوم منقوعة في شراب ساخن، بينما يستخدم لب الفاكهة بكثرة كمربى وعصير أو حتى لصنع الخل. وقد دفع هذا الرواج غرفة الزراعة بمدينة سوق أهراس في عام 2013 لاستحداث فرع يهتم فقط بالتين الشوكي تكون قرية سيدي فرج رمزا له.

تعاون جزائري مكسيكي لاستغلال التين الشوكي

وجذبت هذه التجربة انتباه خبراء من المكسيك حيث أصل النبتة التي تظهر على العلم الوطني وأول منتج للتين الشوكي في العالم، علما بأن سكان المكسيك يستعملون هذه الفاكهة منذ قرون في الطهي والسلطة، وهي أيضا من تقاليد الطبخ الراسخة في مدينة صقلية الإيطالية.

وأوضح سفير المكسيك غابرييل روزنزويغ في الجزائر، أن خبراء مكسيكيين يساعدون المزارعين الجزائريين على تحسين المردود من خلال تحديد “أفضل الأصناف، سواء بالنسبة للأوراق أو الفاكهة”. وافتُتحت أول وحدة إنتاج في عام 2015 في سيدي فرج وفيها يتم تحويل مستخرجات التين الشوكي وتعليبها كزيوت وخلال وعصائر.

وفي 2018 افتُتح مصنع جديد لزيادة إنتاج الزيوت في المنطقة وزادت إنتاجيته أكثر من ثلاث مرات في الفترة ما بين 2017 و2018، من 300 إلى أكثر من ألف لتر، والهدف في عام 2019 هو بلوغ 7 آلاف لتر.

ويعدّ زيت بذور التين الشوكي من بين أغلى الزيوت في العالم نظرا لصعوبة إنتاجه. ولإنتاج لتر واحد من هذا “الإكسير” يجب استخدام طن من البذور، ويمكن أن يصل سعره إلى ألفي يورو في أوروبا عند تعبئته في زجاجات صغيرة. ويبيعه المنتجون، كما في منطقة سيدي فرج، بسعر 500 يورو للتر الواحد.

منتوجات وطنية طبيعية معترف بها عالميا

وكما أوضح المزارع جمال شايب، فإن منتوج هذه المنطقة حائز على شهادة المنتجات الطبيعية الحيوية من هيئات أجنبية، لأن مثل هذه الشهادة غير موجودة في الجزائر، ما سمح بتصدير الزيت إلى فرنسا وألمانيا وقريبا إلى الولايات المتحدة.

وفي منطقة سوق أهراس المحافظة، سمح التين الشوكي بإنشاء مؤسسات عائلية توفّر للنساء اللواتي يعملن عادة في قطف الثمار استقلالية مالية وتحيي الأمل بغد أفضل في نفوس الشباب. 

وهكذا قامت والدة فتحي بزراعة أرضها وهي كذلك تعمل في جني المحصول مع بناتها. وتدّخر من خلال نشاطها هذا المال من أجل أداء فريضة الحج في مكة المكرّمة. وبفضل ازدهار زراعة التين الشوكي، تمكنت عائلة فتحي غلداسمي من زيادة مدخولها عشر مرات، وانعتق البقال من ديونه وهو يقوم راهنا بتوسيع منزله.

وقال فتحي البالغ 40 عاما والذي يفكر الآن جديا في مستقبله ومستقبل ابنته البالغة 10 أعوام في قرية أجداده “هذه الأراضي التي كانت بالكاد تكفينا للعيش في السابق، تعطينا الآن الأمل”، مؤكدا “لا حاجة للذهاب إلى مكان آخر”. وفي بلد يعاني 30 بالمئة من شبابه من البطالة، تعدّ الهجرة الحل الوحيد بالنسبة للكثير منهم.

جمع ثمار التين الشوكي

المئات من العائلات تعيش على الين الشوكي

وبحسب رئيس التعاونية الفلاحية المحلية محمد محمدي، فإن “المئات من العائلات تعيش من هذه الزراعة” في المنطقة. وزرع والد فتحي أشجار الفستق بين نبتات التين الشوكي، ما يشكّل مدخولا إضافيا له. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، بالإضافة إلى كونه خزانا طبيعيا للمياه، فإن التين الشوكي هو “بئر نباتية قادرة على توفير ما يصل إلى 180 طنا من المياه للهكتار الواحد”. كما تساعد جذوره في تحسين خصوبة التربة.

وأشار البروفيسور خذير مداني، وهو مدير مختبر بحث جامعي، إلى أن زراعة الشعير قرب أشجار التين الشوكي سمحت بمضاعفة المردود سبع مرات. ويعتبر التين الشوكي ههنا عاملا محسنا للتربة، كما له دور في خفض توليد الميثان لدى المجترات، ما يسهم في خفض انبعاثات غازات تؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.

ويقول تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) إن السر البيولوجي في نبات التين الشوكي هو عملية التركيب الضوئي الخاصة به، وهو أيضا حامض المخلدات الذي يسمح للنبات بسحب الماء خلال الليل.

وتشكّل هذه الزراعة فرصة للجزائر، أكبر دولة في أفريقيا، إذ تقع 80 بالمئة من أراضيها في بيئة قاحلة وشبه قاحلة. وجارتاها تونس والمغرب أدركتا أهمية هذه المسألة وقامتا بفضل مساعدة الأمم المتحدة بتطوير صناعة لتحويل الصبار منذ عدة سنوات.

زراعة التين الشوكي وتنويع المحاصيل

وبحسب الفاو، هذه النبتة قادرة على النمو في الأراضي “القاحلة والفقيرة” حيث لا يمكن أن تنمو أي نباتات أخرى، ويستمر التين الشوكي “بصمت ولكن بحزم في احتلال مكانة بارزة” في مواجهة التغيرات المناخية وخطر الجفاف المتنامي.

ويقول هانز دراير مدير شعبة الإنتاج النباتي ووقاية النباتات في منظمة (فاو) إن “تغير المناخ وتزايد مخاطر الجفاف سببان قويان لزيادة الاهتمام بنبات الصبار البسيط ورفع قيمته ليصبح محصولا أساسيا في العديد من المناطق”. ووفقا لخذير مداني، ساعد استزراع التين الشوكي كذلك على تنويع المحاصيل، حيث كان المزارعون يزرعون الحبوب والمحاصيل الأخرى في أراض يسيّجها التين الشوكي. 

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

المصدر
Le monde
زر الذهاب إلى الأعلى