حقيقة إبادة فرنسا للجزائريين خلال الاستعمار الذي ترفض تجريمه

يتحدث ميشال هابار في كتابة قصة خيانة عن حقيقة إبادة فرنسا للجزائريين منذ بداية الاحتلال موثقة بشهادات وإعترافات العديد من الضباط والمسؤولين الفرنسيين خلال تلك الفترة. يقدم ميشال هذه الحقيقة إنطلاقا من تساؤل طرحه منذ البداية في كتابه مفاده: “هل تم احترام الأشخاص والحفاظ عليهم كما كانت تنص النداءات الداعية إلى الاستلام التي وزعتها فرنسا على الجزائريين سنة 1830، وتوعدت فيها بضمان حياة الأشخاص وحرياتهم؟!

إبادة 8 ملايين جزائري في 40 سنة!

الإجابة تظهر في الرقمين الآتيين. كتب الناطق الرسمي عن الشعب الجزائري حمدان خوجة بوضوح سنة 1833 أن مملكة الجزائر أمة تتكون من عشرة ملايين. وفي احصاء 1872 الذي يعد أول إحصاء مقبول ومكتمل يعلمنا أن عدد الجزائريين المسلمين قد أصبح مليونين ومئة ألف نسمة. وهنا تظهر حقيقة إبادة فرنسا للجزائريين والقضاء على الملايين منهم.

وأمام هذا الرقم يتبادر إلى أذهاننا سؤال يتطلب إجابة لا لبس فيها وهي: هل كانت هناك نية لإبادة الشعب الجزائري؟! إن هذا المدى من القضاء على السكان 8 ملايين جزائري في 40 سنة لا يمكن تفسيره إلا في إطار مشروع منظم يكشف حقيقة إبادة فرنسا للجزائريين خلال هذه الفترة.

لقد عملت فرنسا على تقليص الشعب الجزائري إلى كمشة من القبائل التي في طريق الانقراض. وإلى حشد فوضوي تائه من المتوحشين الكسالى المتعصبين، ومن الطفيليين المستأثرين ببلد غني أصبح أميا وخاليا. أين سيجد ثمانية أو عشرة ملايين من المسيحيين مكانا مثل هذا؟ ماهي المصلحة التي يمكن تقديمها لأوروبا وإفريقيا غير أن يتجدد هذا البلد وينظف من الأهالي. هذا ما كان يتفوه به أحد رجال كلوزيل سنة 1832 وهو أرمون هين. في سنة 1832 كانت الاراضي الواقعة تحت الاحتلال يعرض فيها جزائري من بين 320 على مجلس عسكري ويعدم واحد من بين خمسة محكومين مدنيين.

كذبة مكشوفة

قبل غزو الجزائر قدم بوجو وثيقة عن هذا البلد المنتظر غزوه ووزعت على جميع ضباط البعثة الجزائرية لتكوين فكرة عن الغزو، مفادها حسب بوجو أنه لا يوجد فيها حتى مليون واحد من السكان. ابتداء من سكنة 1840 سوف يحدث حدث جوهري، ألا وهو الحرب العارمة التي اندلعت في الوطن. وقلبت الأطروحات الجاهزة. وأصبحت أسطورة مليون جزائري من الصعب التمسك بها. وأجبرت بوجو نفسه على ذكر رقم 8 ملايين نسمة في خطاب له بالجزائر يوم 12 أوث 1843.

ويصرح الجنرال بلوني سنة 1844 وهو أحد المتخصصين في المسألة الجزائرية ومقرر ميزانية الجزائر أمام  الغرفة أن السكان الذين كانت لدينا لحد الآن مفاهيم غير مضبوطة عنهم يجب تقديرهم بحوالي سبعة ملايين نسمة. وما من أحد في الغرفة يمكنه أن يناقش الرقم بما في ذلك الجزائريون أنفسهم.

وذلك أيضا هو تقدير وزير الحرب المارشال سولت استنادا لمخابرات بلاده. وحدد أسقف الجزائر في التقارير التي كتبها إلى الجمعية الإرسالية في نفس الفترة عدد الجزائريين بستة ملايين نسمة. وكان متيقظا لبلاد القبائل ويحلم أن يردها مسيحية، لذلك كان يعرف أهمية عدد السكان.

تمويه متعمد لعدد الجزائريين

ويمكننا أن نفهم الأسباب التي دفعت إلى التمويه بأن الجزائر منذ البداية لا تحتوي إلا على حوالي مليون نسمة. وذلك من أجل اقناع الرأي العام الفرنسي بأن فرنسا ليست بصدد استعمار أرض آهلة بعدد كبير من السكان والتغطية على مشروعها اللاإنساني الذي يرمي إلى استئصال شعب بحجم الشعب الجزائري.

ولهذا نفسهم اصرارهم وتمسكنهم برقم مليوني نسمة لمدة مائة وثلاثين سنة. ويقول شالر الأمريكي: “إن الجزائر بالنسبة لشالر بلاد ثرية جدا وفي الآن نفسه صحراء قاحلة يسكنها عدد قليل من الرعاة. وشالر نفسه يعترف أنه لا يعرف عن جغرافية البلاد شيئا وإنما اعتمد على تقرير شاو.

ويبين لنا أرمون هيد أسباب رأي كلوزيل حول عدد سكان الجزائر ومفادها: لم ترك بلد واسع وخصب بين أيدي عدد من المتمردين، وحينما يكون لنا سوف يتضمن ثمانية أو عشرة ملايين من الأوروبيين؟ ولهذا يتعجب جولي سنة 1844 أثناء الحرب: “يقال لنا منذ سنة 1830أنه لا يوجد سوى مليون ونصف نسمة، ويصرح لنا الأن بأنه يوجد سبعة ملايين ساكن”.

الجزائر لم تكن بلدا خاليا من السكان

في المقابل كانت يومية أند ترافلر اللندنية تكتب منذ 1830 أن “الجزائر ليست بلدا خاليا من السكان بحيث يمكن إقامة مستعمرة فيه. ولن تكون الجزائر سوى مصدر ضعف للمستمعمر وليس مصدر قوة. إن الفرنسيين لمجانين”.

ويقر إميل دو جيراردين ذلك الضابط شبه الرسمي في الامبراطورية الحرة سنة 1860 بأنه “يمكن استعمار أرض يكون أهلها قد استؤصلوا وذهبت ريحهم، وليس أرضا عليها عدد كبير منهم، ويستحيل استئصالهم أو طردهم”. ويضيف معترفا اعترافا فضيعا: “أنه خلال سنة 1847وحدها، وبعد 16 سنة من الاحتلال نعرف أن عدد الأهالي كان يقدر بخمسة ملايين أو ستة ولا يتجاوز اليوم المليونين ونصف”.

ما من أحد يمكن أن يظهر لنا مدى العناد وسوء النية مثل رئيس لجنة التقصي العلمية الجنرال بوري دوسانت فانسون الذي بقي 20 سنة المصدر الوحيد للمعلومات الرسمية. الذي كتب: “ألح وأؤكد عندما يقتضي الأمر أن الجزائر بأكملها لا تحتوي إلا على مليون و200 نسمة منتشرين على مساحة مساوية لمساحة فرنسا. أبسبب هذا البعوض السيء التسليح، المتقلب، الجبان والقذر لن تستطيع فرنسا أن تصل معه للنهاية بجنودها 80 ألف؟”

الصحف نوهت بإبادة الجزائريين

ولم يخف دي بورمون في يوم من الأيام نيته في طرد السكان الأصليين إلى وراء الأطلس. وشرعت الجرائد والمنشورات، وأمريات القساوسة تنادي بإبادة الكافرين بالمسيحية قبل أن تسقط الجزائر في أيديهم. نقرأ مثلا في الصحافة مثل جريدة “أوبسارفاتور دو نوستري” في شهر جوان عام 1830 ما يلي: “أليس لنا الحق في إبادة الجزائريين مثلما نبيد الحيوانات المتوحشة بجميع الوسائل الممكنة؟”.

ونقرأ في جريدة العلم الأبيض وهي تروي معارك سيدي فرج: “إنهم حيوانات متوحشة لا نعرف كيف نتعامل معها”. ويروي كلوزيل في شهر نوفمبر من سنة 1830 قصة أول مجزة جماعية في البليدة: “أمرت الفيالق أن تهدم كل ما في طريقها وتحرقه”. ويقول الدوق روفيكو في مذكراته: “يجب رميهم بعيدا أي الجزائريين في رمال الصحراء كالوحوش المسعورة وبصفة أبدية”. وتبقى إبادة قبيلة العوفية بالدار البيضاء ماثلة للعيان. حيث كوفىء فيلق العقيد شوانبورغ الذي تكفل بالمهمة بمعية اللفيف الأجنبي بعد المذبحة براية شرفية.

وصرح روفيكو في مذكراته الدموية منوه بالعقيد شوانبورغ وفيلقه قائلا: “سيكون دائما في لحوة الشرف. الآن وبعدما ألقيتم الهلع في صفوف العرب واكتمل سلاحكم، يجب أن أنتظر منكم المزيد وأكثر من المرة الماضية، وسأقدمكم بنفس الكبرياء على أنكم فيلق الخيالة المرعب”. هكذا أبادت فرنسا الشعب الجزائري الذي تدعي أنها جاءت لتجعله متحضرا وترفص اليوم تجريم الاستعمار.

المصدر: سوبرنوفا من قصة خيانة/ ميشال هابار

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى