نهب الجزائر : أرض أدهشت الأوربيين بخصوبتها الخرافية

قصة نهب الجزائر بدأت منذ اللحظة الأولى للاحتلال. كان ذوو الألقاب النبيلة ينزلون من القصبة وأيديهم محملة بالغنائم طبعا ما خف حمله وغلا ثمنه. من بين 5000 منزل بمدينة الجزائر صودر منها 3000 وقوض 900.

وسمح بورمون بتهديم المتاجر التي تحتوي على ورشات النسيج ووش الحرير الذي اشتهرت به المدينة قاضيا بذلك على كصادر قوت شعب متواضع من الحرفيين والباعة. بالإضافة إلى ذلك فإن مرسوم 8 سبتمبر 1830 الذي صادر أملاك الحبوس وأملاك الدولة الجزائرية مس هذا المرسوم أغلب الأملاك الحضرية وقسما كبيرا من أراضي متيجة والسهول الساحلية ومنذ ذلك التاريخ تشهد العقارات في الجزائر سلسلة متتالية من المصادرات الجماعية والفردية.

مصادرة الأراضي

يوضح ضابط من المكاتب العربية لتوكفيل قائلا لا يمكن يا سيدي أن يكون هناك استعمار بدون أراضي يجب حينئذ تجريد القبائل العربية لجعل الأوروبيين مكانهم. وكما قال راوسيت بولبون إن نزع الملكية هو الشرط الوحيد لكل مستعمرة والنتيجة اليوم ماثلة أمامنا. ثلاثة ملايين هكتار من أجود الأراضي بين يدي الأوروبيين الذين يملكون بمفردهم 90 بالمئة من سهول الجزائر، وهران وعنابة و95 بالمئة من مستثمرات الكروم والحوامض.

تهديم المساجد

فرنسا لم تحترم شيئا من الوعود المتعلقة بالشؤون الدينية والعقائدية. فقد تمت مصادرة 62 مسجدا في الجزائر وتهديم 10 مساجد منها بعد سنتين فقط من الاحتلال. ويخبرنا التحقيق الرسمي الذي انجزه ألبير دي فول سنة 1865 أنه من بين 230 مسجدا صغيرا وكبيرا كان موجودا في الجزائر قبل سنة 1830 لم يبق منها سوى 12 مسجدا للعبادات الاسلامية.

فرض الضرائب

جعلنا الضرائب على أيدينا استفزازا فعالا. ووسيلة للاضطهاد، وتضاعفت الأسعار ثلاث مرات ابتداء من اليوم الأول. يضاف إلى كل هذا الضرائب التأديبية. والتي كانت تبنى على أتفه الأسباب. فقد عاقب روفیکو المدينتين الصغيرتين القليعة والبليدة بغرامة  2300000 فرنکا. إن مبيعات المدينتين الإجمالية كلها لن تصل إلى هذا المبلغ.

أرض بخصوبة خرافية

كانت الجزائر الخصبة مخزن الغلال الأخير للعالم الروماني ولمسيحية 350 الأسقفية، وكانت خصوبتها خرافية لد القدماء. وإذا صدق المؤلفون، وكلوزيل نفسه معهم، أنها كانت تحتوي على عشرة ملايين نسمة. تفاجئنا هذه الخصوبة بمجرد الاجتياح سنة 1830. حيث لا تخفي جرائد تلك الفترة إعجابها بها.

يكتب كليرون في لوناسیونال: هذه البقع الشديدة الخصوبة، والجيدة الفلاحة تذكر بأوربا. ويعتدل تقرير فالازي فيقول: يبدو لنا البلد ثريا، ومزروعا وممتلئا بالأنعام. والمنازل، والبساتين. ويكتب مونتانيا بدوره: يصعب علينا وصف آلاف المساكن الريفية التي تغطي هذا البلد الجميل إنها لمحة لا نجدها في أي مکان آخر، ما عدا نواحي مرسيليا ومع ذلك فهي أقل سعة وجمالا وخصوبة.

ولاحظت اللجنة التي اجتاحت بجاية إن السهل غني جدا بأنواع المزروعات. وماذا عن مقاطعة وهران؟ يقول عنها توكفیل: بلد ذو خصوبة رائعة، وهذا ما قاله بيسكاتوري كاتب لجنة 1833 “يسكن مقاطعة وهران الثرية الخصبة سكان عديدون وأكثر تحضرا مما نعتقد”.

وماذا عن ناحية عنابة؟ يقول عنها مونك دوزر سنة 1830 ترعى فيها قطعان عارمة. ويعترف العقید دو سين سوفور بأن عنابة تنتج (الآن) أكثر مما كانت تنتجه زمن الأتراك.

وماذا عن البليدة؟ يقول الجنرال دو بارتيلا في شهر جويلية سنة 1830 إن المغروسات تجعل من هذا الإقليم جنة أرضية ويزعم العقيد السويسي سالادان أنه لم يشاهد في أوربا ما يشبه ناحية البليدة وذلك بعدما ووجه بثراء تلمسان.

مناطق رائدة في الفلاحة

وماذا عن بلاد القبائل؟ يقول المارشال سانت أرنو “البلد رائع. لم أشاهد أثرى منه في حياتي” ويضيف: بأننا نهبنا كل شيء وحرقنا كل شيء. وأختم بذكر هذه الشهادة الثمينة قام الأمير الألماني بوکلر-موسکاو، والمكتشف البلجيكي هوكمان سنة 1835 برحلة سياحية لمدة أسبوع عبر نواحي متيجة والأطلس الصغير، ولم تكن تلك المناطق قد استسلمت بعد، ويقلب غزونا المظاهر رأسا على عقب. ونهب الجزائر وتدميرها.

أعارهماالجنرال الأول دوري ديلان ضابطه – وهو عين السيد وأذنه – وعند عودته قدم تقريرا نقتطف منه هذه الفقرات: المساحة كلها مزروعة بالحبوب إلى غاية الجبل. والبساتين مغروسة بالبرتقال الرائع. ثم يقول عن الأطلس الصغير، إن هذه الجهة من الأطلس التي تكسوها الفلاحة، والقرى المنتشرة على الوديان ومنحدرات الجبال، لا يساورنا أدنى شك في أن هذه الوديان المنسية لا تزال تحتوي على حقائق كثيرة وأن لهذه الأراضي مجدها الغابر.

وماذا عن مستغانم؟ إليك أول تقرير لجونتري دو بوس کمتطرف من بين متطرفين: بلد تغطيه الأشجار المثمرة كل نوع. بساتين مزروعة إلى غاية البحر، وأنواع هائلة من الخضروات بفضل نظام ري ممدود جيدا من قبل حضر الجزائر. تقرير ثاني: منذ الاحتلال لا يوفر البلد إلا الجفاف والتعرية. ونعلم حينئذ المذاق المر لملاحظة ذلك المتذمر من حالة إهمال بلد أرادوا أن يقدموه لنا على أنه في تنام واضح. هذه بعض الحقائق والشهادات من نهب الجزائر خلال فترة الإحتلال.

المصدر: مقتطفات من كتاب قصة خيانة/ ميشال هابار

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى