مهندس الميكانيك الجزائري الذي احترف الفن

إذا كنت قد درست في الثانوية ثم الجامعة تخصصا علميا كأن تصبح مهندسا في الميكانيك مثلا، وكنت تحب الفنون والآداب فهذا لا يعني أنك لن تستطيع الجمع بين تخصصك العلمي وهوسك بالفن، هذه هي حالة الجزائري محمد لراشيش الذي تألق في الميكانيك واحترف الفن التشكيلي. من هنا يمكن أن تلهم نفسك.

ماهر في فن الخط العربي

أصابع انسيابية و هي تتحرك على الورق، حس مرهف، وهيبة إنسان متواضع. كان هذا انطباعي الأول عن الفنان محمد لراشيش و أنا أتأمله ماسِكاً قصبة الخط العربيّ وهو يرسم الحروف العربية الأنيقة بالخط الديواني بمهارة في أول لقاء جمعني مع هذه القامة الفنية الصاعدة. كان هذا في العطلة الصيفية الفارطة حيث سجلت في دورة تدريبية في فنون الخط العربي المعاصر بالبليدة.

محمد لراشيش الفنان التشكيلي، المهندس في الميكانيك و الأديب هو قبل كل شيء ذلك الإنسان المحتَرَم والمتواضع. يظهر ذلك لمن يحتك به من الوهلة الأولى. خلال الثلاث أسابيع التي جمعتني به في الدورة التدريبية شهدت منه خُلُقاً قبل أن أشهد فناً. لقد كان سخيا وكريما بنصائحه القيّمة التي قدّمها لشخصي ولباقي المتدربين فيما يتعلق باختيار مضمون اللوحات وألوانها. لقد استفاد الفريق الخير الكثير بما يشاركه من تجارب سابقة ومعارف و أذواق فنية وحتى نصائح مستقبلية.

العلوم والفنون في قالب واحد

ابن مدينة خميس مليانة الشاب لا يمكن أن يوصف سوى بفسيفساء الفن و العلوم، فهو فنان تشكيلي و شاعر أنجز حوالي خمسين لوحة فنية و له ديوان شعري، كما شارك في العديد من المعارض الوطنية الفردية منها والجماعية و كان آخرها معرض بصمة الدماغ بالمركز الثقافي مصطفى كاتب في أكتوبر الفارط. هذه الشخصية النادرة فيما يتعلق بالتحدي  و هذا العقل المتنور لم يكتف بألوان الفنون والآداب ليبدع بها لكن أثرى لوحة شخصيته بألوان أخرى تتمثل في مسار ناجح في عدة تخصصات علمية وتقنية أهمّها هندسة الميكانيك وتقنيات الجرافيك والأنفوغرافيا. الفنان لراشيش يرى أن الفن الذي يبدع فيه والتقنية التي يمارسها تجمع بينهما علاقة تداخل و تكامل.

فنان عصامي

كانت بدايات الفنان محمد لراشيش الأولى في الفن عند دخوله مقاعد الدراسة حيث اكتشف موهبة الرسم لديه فقضى أوقات فراغه في الرسم ليتطور شيئا فشيئاً. مع مرور الزمن اكتسب لراشيش مهارة وخبرة في فنون الرسم وتقنياته التي تعلمها و طبقها بشكل فردي فلراشيش يعد فنانا عصامياً بامتياز لم يتلق أي تكوين في معاهد الفنون.

ولعل هذا ما جعل العديد من الفنانين الجزائريين الذين اكتشفوا لوحاته يستغربون كيف أن بإمكان فنان عصامي أن يجسد بلوحاته أرقى التقنيات الفنية لكن  أكثرما إستغرابهم هو اختياره للفن التجريدي الذي يعد فن النخبة فهو راقٍ بعمقه وتعبيره ومعانيه.

أما رأي لراشيش في هذا الإختيار فيعتبره مبتغاه الذي تحصل عليه عن طريق اختصار الطريق وذلك بالعمل المستمر والمحاولة و الإبتكار لكن أهم شيء بالبحث عن الذات والإنصات للصوت الداخلي الذي يرشدنا لما نبحث عنه، حيث يخبر فناننا الأسلوب التجريدي المفتاح الذي يتمكن من خلاله فتح باب مكنونات عقله المكنوزة و الفرشاة التي تمكنه من التعبيرعن هذه المكنونات بأريخية وعفوية.

الفن فلسفة حياة

يرى الفنان لراشيش أن الفن فلسفة حياة. فهو يعتبر كل لوحة فنية تحديا عليه أن يرفعه،تحديا للذات و للآخر الذي يشكك في قدراتنا. وبالنسبة له فإنّ إنجاز لوحة يجسّد فوزنا بالتحدّي والحصول على شيء يخطي إحساساً بقيمة الذات وحماساً لإنجاز المزيد.إنّ فلسفة الفنّان مثيرة للإهتمام،فهو يعتبر الفن التشكيلي طريقة لسرد حكاياتنل بمآسيها و أفراحها،كما يعتبر اللوحات الفنية السيرة الذاتية المصورة للفنّان التي تهمس لنا بخطوطها وألوانها لتخبرنا عن شخصيته ونفسيته فتشي بأدقّ تفاصيل حياته إن أحسنّا الإنصات إليها طبعا.كما يعتبر لراشيش الفن بصفة عامة بمثابة علاج نفسي يطهر النّفس من مكبوتاتها و يخلصها من قيود الماضي.

الفنان لراشيش عاشق للفنون و فنّان بمعنى الكلمة بالرسائل و التواصل الذي يحاول أن يحققه من خلال لوحاته البديعة.و من الرسائل التي يحاول أن يبلّغها للشباب الجزائري و خاصة للأولياء هي ضرورة الإنتباه إلى أن الفنون بصفة عامة وسيلة مهمة من وسائل التواصل مع الآخر و التعبير عن النفس فلا يمكن تعطيل هذه الوسيلة و كبحها خاصة عند الأطفال.

الكاتب: علام سهيل

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى