مشكلة عدم احترام الرأي الآخر ومهاجمته بشدة

في كل مرة عند التقائنا سواء بالعائلة، الأصدقاء، أو غيرهم، تبدأ تلك التعليقات والانتقادات التي لا تنتهي وتعبر عن عدم احترام الرأي الآخر فهم يتدخلون في طريقة لباسك، كلامك، تفكيرك… لماذا تفعل هذا ولا تفعل ذاك؟ لماذا تلبس هكذا ولا تلبس ذاك؟ يتدخلون حتى في مجال دراستك وعملك! وهذا ما يسمى عدم احترام الرأي الآخر وخصوصياته.

إذا خالفتهم في الذوق أو الرأي يشتعلون غضبا ويحاولون إثبات أنك مخطئ وهم المصيبون! في حين أن مسألة الذوق هي مسألة شخصية. تختلف من شخص لآخر، فلا مخطئ ولا مصيب، لكن بعض البشر يأبون فهم هذه النقطة بالتحديد. فإما أن توافقهم الرأي أو أنك مخطئ ولا تفقه شيئا.

 المتعصبون لآرائهم

أتعجب من تفكير بعض الأشخاص واعتقادهم بأنك يجب أن تشبههم في كل شيء.  وكأنها سنة من سنن الكون. وإذا خالفتهم يعتبرونك متخلف ورجعي، أو إنسان غير طبيعي. وأتعجب من عدم احترام الرأي الآخر رغم أنه من ضروريات التعايش بسلام.

رفض العديد من الأشخاص وجهات نظر أخرى إن كانت مغايرة أو مختلفة عن آرائهم، ولا تتماشى معها، مشكلة عويصة نراها تنتشر في مجتمعنا. ونواجهها يوميا في حياتنا الواقعية. أو حتى في مواقع التواصل الإجتماعي، التي عززت من ثقافة عدم تقبل الرأي الآخر. يقول جبران خليل جبران: “لو أننا استيقظنا في الصباح ووجدنا أن الجميع أصبحوا من نفس السلالة والعقيدة و اللون، لاخترعنا أسبابا أخرى للتفرقة قبل حلول المساء”.

 مواقف يومية نواجهها مع المتعصبين

لا شك في أننا جميعا تعرضنا لهذه الموقف في حياتنا. سواء الواقعية أو الافتراضية. أحد هذه المواقف حصل معي شخصيا على منصة الفيسبوك، كتبت منشورا عن الزواج والوظيفة، أيهما أولى؟ وطرحت رأيي الشخصي في الموضوع. وفي النهاية ختمت بتساؤل. طالبت من القراء مشاركة آرائهم الشخصية.

العديد من التعليقات جاءت بشكل: “أنت مخطئة، لا يجب أن يكون الأمر هكذا فالزواج أولى” ومن أعطت الأولوية للزواج قيل لها: “أنت لا تفقهين شيئا، الوظيفة أولى…” ورغم أني ذكرت -عن قصد- أن هذا رأيي الشخصي فشاركوني آراءكم. الحقيقة أن كل شخص سيختار حسب ظروفه وتفكيره، فما يناسبني لن يناسبك بالضرورة. وما تراه أنت صحيحا قد يكون خاطئا بالنسبة لي. وهذا يبرر عدم قدرتنا على الوصول للصحيح والخطأ المطلق في الحياة.

موقف آخر حصل معي أثناء تناقشي مع إحداهن، عندما رأتني أكتب اسمي بالفرنسية -صراحة يضحكني هذا الأمر كلما تذكرته- قالت لي: “اسمك سلمى يكتب salma  وليس selma بهذا الشكل”. أخبرتها أن هذا اسم علم. ويختلف من شخص لآخر. وليس هناك طريقة صحيحة وأخرى خاطئة لكتابته. ولأنها لم تقتنع وتعترف، ضربت لها مثلا باسمها: “أنت حنان وتكتبينهhanane   لكن هناك من تكتبه hanan وهذا لا يعني أنك على صواب وغيرك مخطئ”.

البعد الشخصي للاختلاف

عقلية “أنت لست معي إذن أنت ضدي” أو “أنت مخطئ” أو “ذوقك سيئ”… والتعصب للآراء -قد يسبب للبعض مشاكل شخصية- رغم أن المطلوب هو فقط احترام وجهات النظر المختلفة. فقط فكر في الأمر بهذا الشكل: “هذا رأيك وأنت حر فيه، وأنا أحترمه؛ وبالتالي أحترمك حتى وإن اختلفنا”.

بعض الأشخاص لا يدركون أبداً معنى ثقافة احترام الرأي الآخر أو أنه مهما احتد النقاش لا ينبغي أن يؤثر على العلاقة الشخصية بين الطرفين. فهم لا يعتبرون هذا الاختلاف خطأ فقط، بل لا يحترمون صاحبه! ويعتبرون اختلافه معهم تهجما أو تقليلا من شأنهم، فالانتصارات اللحظية التي تظن أنك أحرزتها بالجدل هي في الحقيقة انتصارات سفيهة.

يجب أن ندرك تماماً أن العديد من الأشخاص لا يتقنون الحوار بأدب. ولا الاستماع للآخر واحترامه. والبعض الآخر يعتقد أن مخالفته في الرأي، تعني أنك أخطأت بحقه شخصيا.

منبع المشكل يكمن أساسا في تربية الفرد، وفي ثقافته الشخصية في التعامل مع الناس. عدم قدرتهم على استيعاب وجهة النظر الأخرى -حتى لو كانت أدق وأصح- وعدم قدرتهم على التعايش مع الواقع الذي قد يكون أحيانا مخالفا للصورة المخزنة في عقولهم.

الله خلقنا مختلفين وهذه نعمة علينا احترامها. لا جعلها سببا للعراك الفكري والمعرفي. وتحديا في من يثبت رأيه، ويدحض الرأي الآخر. هذا التشاحن يجعل هؤلاء لا يستمعون لم تقوله أصلا. ولا يهتمون بمحاولة الفهم، ففي حين تكون أنت منشغلا بالكلام وإبداء رأيك، يكون الطرف الآخر يفكر في الرد عليك: ماذا سيقول ؟ وكيف يثبت خطأك؟ كيف يثبت جهلك؟

يمكننا أن نجعل جدالنا إيجابيا، هادئا، هادفا وبشكل موضوعي. بدل تحويل النقاش إلى حلبة مصارعة، ونشوب التعصب الفكري. لنعلم جيدا أن اختلاف الآراء ووجهات النظر أمر وارد دائما.

كيفية التعامل مع هؤلاء

عندما تختلف في رأيك مع شخص ما فهناك إحتمالين: إما أن يكون هو المخطئ وأنت المحق أو العكس. إن كنت أنت المخطئ فسلم بخطئك ببساطة، وإن كنت أنت المحق، فبين رأيك ببساطة ووضوح وبالتي هي أحسن. فإذا أصر الطرف الآخر على رأيه وأن فكرته هي السليمة، واستمر بجدالك ومحاولة إخضاعك لرأيه، حاول تجنبه ببساطة. لأن هذا الجدال لن يكون عقيما فقط، بل سيكون سببا في العداء، البغضاء، الخصومة، حدوث القطيعة وإفساد الصداقة. ولهذا حماية علاقتك مع ذلك الشخص أولى من الاستمرار في جدال عقيم، بل هي أعظم انتصار.

من جهة أخرى إذا كنت أنت الشخص المتعصب الذي لا يحترم الرأي الآخر، وتجادل بحدة فقط لتثبت رأيك فعليك أن تعترف بهذه العادة السلبية فيك.  وعد نفسك أن تكون متحررا لا منغلقا، تواضع وتقبل الرأي الآخر، فلا تنزعج بسرعة وكن مستعدا لهذه الاختلافات. وأخيرا تذكر أن احترامك للرأي المخالف لا يعني بالضرورة تقبله والاعتراف به – خاصة إن كان خاطئا- وهذا بالتحديد ما يمنع المتعصبين من التقبل، إذ يعتقدون أن احترام الرأي المخالف يعني الموافقة عليه.

الاختلاف والتنوع سنة من سنن الله. ذلك الاختلاف هو مساحة وفسحة للإنسان ليخرج من منظومة عاداته وطرق عيشه. إن التنوع هو فرصة للعيش من جديد، هو نعمة علينا تقديرها، إذن فلنتخلص من وباء أحادية التفكير ولنستقبل الاختلافات بدون اتهامات ولا صراعات.

تدوينة: سلمى بوجلال

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى