قصة نجاح شاب جزائري أصبح أفضل مدير تنفيذي في الذكاء الاصطناعي بأمريكا

الدكتور فؤاد بوسطوان، شاب جزائري من مدينة عنابة، يبلغ 33 سنة من العمر، عاش تجربة نجاح ملهمة حولته من طالب بسيط لا يملك حتى جهاز كمبيوتر إلى أفضل مدير تنفيذي في الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة الأمريكية.

في هذا المقال يتحدث فؤاد لسوبرنوفا عن مشواره العلمي والمهني وحجم التحديات التي مر بها والطموحات التي مازال يعمل للوصول إليها، ووسط كل هذا عن دور والديه في نجاحه.

دراسة الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات

بدأ اهتمام فؤاد بهذا التخصص مبكرا، رغم حداثته كعلم يهتم باستخدام البيانات في تطوير خوارزميات يمكن الاستفادة منها في المجال الصناعي. ولهذا بمجرد حصوله على البكالوريا في سنة 2005، من ثانوية القديس اوغستان عنابة، سجل في جامعة عنابة تخصص رياضيات وإعلام آلي، لأنه كان يعرف جيدا ما يريده. يقول فؤاد لسوبرنوفا: “منذ كنت طفلا في المدرسة القرآنية تأثرت بفضل العلماء على الانسانية والبشرية وقيمتهم في القرآن والأحاديث النبوية. وأصبحت أبحث في ذلك في المتوسط ثم في الثانوية”.

تشكلت هذه المعرفة لدى فؤاد انطلاقا من اهتماماته الفكرية المبكرة، أين تعلم النظر إلى القرآن بنظرة رياضية، وكأنه خوارزميات. وتدعم هذا التوجه عندما بدأ يقرأ للعالم اسحاق أسيموف، الذي يعتبر أب الذكاء الاصطناعي ثم الكاتب دان براون. وهنا يوضح فؤاد: “كنت أملك قاعدة معرفية واضحة. ولهذا لم أجد مشكلة في التوجه الجامعي. لقد كنت متأكدا من اختياري” .

طالب علم وليس تحصيل شهادات

عندما التحق فؤاد بجامعة عنابة وبدأ في دراسة تخصص الرياضيات والإعلام الآلي، كان يطمح إلى تحصيل علم أكثر من مجرد تحصيل شهادة. وبالفعل قدم دراسة حول “استعمال الذكاء الاصطناعي لمعرفة الأشكال في صور الأقمار الصناعية” جعلته يحصل على شهادة ليسانس الأول في دفعته. ويقول فؤاد عن خصوصية دراسته: “التحدي الكبير كان في حجم الصور الكبير جدا، واحتوائها على أكثر من 14 بعد. لكن تمكنت من تطوير خوارزميات لتصنيف الأشياء وتحديد ماهيتها”.

كان فؤاد يتطلع إلى استخدام هذه التقنية في الثورة الزراعية والبحث عن حقول النفط عن طريق الصور التي تقدمها الأقمار الصناعية. ابتكر وطور نموذجا لمعالجة الصور، سمح له بالمشاركة في مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي وهو مازال في مرحلة الليسانس، أين تعرف على باحثين من فرنسا اقترحوا عليه الذهاب إلى الدراسة هناك لكنه فضل البقاء في الجزائر نظرا للوضع الصحي لوالده رحمه الله (توفي السنة الماضية).

يقول فؤاد عن هذه المرحلة لسوبرنوفا: “فضلت البقاء رغم معاناتي الكبيرة من نقص الامكانيات. أقطع مسافة طويلة كل صباح للوصول إلى الجامعة. لا أملك حتى جهاز كمبيوتر محمول، لتطوير خوارزميات أو نماذج في البيت. أتذكر أن والدي ذهب للعمل خارج الولاية لمدة 3 أشهر، ليشتري لي جهاز حاسوب محمول يمكنني من العمل في البيت”.

الطريق إلى الدكتوراه لم يكن سهلا

كانت قناعة فؤاد أن طالب العلم يمكنه البحث في أي مكان. هكذا أكمل الماستر في تخصص الذكاء الاصطناعي في جامعة عنابة. ولأنه كان الأول في الدفعة تمكن من الحصول على منحة من المركز الأوروبي لدراسات الفضاء لإجراء تربص التخرج لمدة 6 أشهر في مدينة بوردو بفرنسا.

سافر فؤاد وبدأ البحث في المركز الذي وفر له كل الوسائل والامكانيات لأنهم كانوا مهتمين بصور الأقمار الصناعية ولكن بعد شهر، تعطلت الإجراءات القانونية وتوقف التربص بسبب تماطل ورفض إدارة جامعة عنابة ارسال وثائق اتفاقية التعاون، يقول فؤاد. ويضيف: “كانت أصعب مرحلة في حياتي. لم أكن أملك حتى ثمن تذكرة للعودة إلى الجزائر أو مكان أبيت فيه!”. بعد مدة استطاع الحصول على دعم من بعض الجزائريين هناك الذين سمحوا له بالإقامة معهم وكذلك القنصلية الجزائرية في بوردو، إلى أن تمكن من جمع المال للعودة إلى الوطن.

يقول فؤاد: “في عز الأزمات التي كنت أمر بها كنت أفكر دائما أنني طالب علم ويجب أن أستمر. كنت أذهب إلى المكتبات وأقرأ الكتب وأبحث. رغم غياب الامكانيات ولا أقول نقصها، كنت أملك خريطة أمشي عليها وأعرف جيدا ماذا أريد وإلى أين يجب أن أصل. وهذا أهم طريق للنجاح”.

قدم فؤاد بعد عودته، الموضوع للمناقشة وتم رفضه في جامعة عنابة، وهو ما دفعه لاختيار مشرف جديد وموضوع جديد حول “استخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص السرطان” وتمكن من المناقشة في سبتمبر بدلا من جوان، وكان الأولى في دفعته.

يقول فؤاد: “سجلت في الدكتوراه بنفس الجامعة بالتعاون مع مركز بحث في جامعة كالي في فرنسا. رغم الفرص التي كانت متاحة لي للسفر لم أفعل ورفضت الخروج من الجزائر لأن والدي كان مريضا”.

كانت مرحلة الدكتوراه بالنسبة إليه أمر من المرحلة السابقة من حيث البيروقراطية والمشاكل الإدارية التي واجهته في الجامعة. يوضح فؤاد: “تمكنت بعد 6 أشهر من نشر مقال علمي في مجلة علمية مصنفة “أ” مع ذلك تعرضت لتعسف ولم أتمكن من المناقشة قبل مرور 5 سنوات تقريبا رغم أن دراستي كانت جاهزة، ما دفعني لتقديم شكوى للوزارة من أجل تسريع إجراءات المناقشة”.

هكذا وصل إلى مرحلة السفر إلى أمريكا

قبل المناقشة كان فؤاد قد شارك في مؤتمر دولي في برشلونة اسبانيا حول الذكاء الاصطناعي وهناك التقى بباحث من جامعة بيركلي بكاليفورنيا، إحدى أرقى الجامعات في الولايات المتحدة. يتحدث فؤاد عن اللقاء: “أبدى إعجابه بدراستي، وقال لي إذا أردت أن تكمل أبحاثك في أمريكا سأصارع من أجلك، أنا أثق بك أكثر مما تثق بنفسك وسنعترف بشهادتك ونسجلك باحثا ما بعد الدكتوراه مباشرة”.

وافق فؤاد على عرضه مباشرة. وقام بجميع الإجراءات، ويؤكد: “لقد جمع لي والداي وأصدقائي ثمن التذكرة”. ناقش الدكتوراه في الجزائر في بداية مارس 2015. في نهاية مارس 2015 سافر مباشرة إلى الولايات المتحدة. يتحدث فؤاد: “كنت قد وصلت إلى هذه المرحلة بعد معاناة طويلة. أتذكر صورة والداي في المطار يبكيان. ولكنهما يشجعاني على الذهاب، كان والدي يقول إذهب أنت طالب علم ويجب أن تتعلم لتفيد نفسك والناس والجزائر اذا استطعت في يوم من الأيام”.

بدأت رحلة فؤاد في جامعة لاس فيغاس في الولايات المتحدة، ورغم أنهم لا يعترفون بشهادة الدكتوراه الجزائرية أخضعوه لاختبارات نجح فيها فتمت معادلة شهادته ومنحه شهادة دكتوراه أمريكية في الإعلام الآلي والذكاء الاصطناعي.

بدأ هناك العمل كباحث ما بعد الدكتوراه، وأشرف على طلاب الدكتوراه من جنسيات مختلفة، أين قضى سنتين من البحث توفرت له فيها جميع الوسائل.

يقول فؤاد لسوبرنوفا: “ثمن جهاز الكمبيوتر الذي وضع تحت تصرفي في الجامعة، كان مليار سنتيم لأننا نحتاج في بحوث الذكاء الاصطناعي الى أجهزة متطورة، قبلها بسنوات فقط كان والدي يدخر المال ليشتري لي جهاز حاسوب محمول”.

التوجه نحو الصناعة في أمريكا

نشر فؤاد العديد من البحوث التي كان لها تأثير على الصناعة في أمريكا. وقدم مداخلات في عدة جامعات منها ستانفورد في كاليفورنيا تيكساس في ام اي تي في بوسطن وغيرها. بعد ذلك قرر الخروج من الجامعة والتوجه نحو المجال الصناعي. تحصل على فرصة عمل في مركز بحث في الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات. يقول فؤاد: “في العام الأول دخلت كباحث، العام الثاني تمت ترقيتي إلى مدير في العام الثالث أصبحت المدير التنفيذي للمركز”. يشرف حاليا على أكثر من 80 مهندسا في الإعلام الآلي والذكاء الاصطناعي من مختلف الجنسيات منهم الهنديين والصينيين.

عمل منذ سنتين على تطوير منظومة نظر اصطناعي للتعرف على الأشياء بطريقة سريعة وذكية. بعد عامين طور أحسن منظومة نظر اصطناعي في أمريكا تستطيع معرفة حتى أنواع الأقنعة ومستوى الحماية الذي توفره من فيروس كورونا. وبفضل هذه التقنية فاز بجائزة أفضل مدير تنفيذي في مجال الذكاء الاصطناعي في مدينة شيكاغو بأمريكا. يوضح فؤاد: “اختارتني اللجنة المتكونة من 15 عالما من عمالقة التكنولوجيا من مدراء تنفيذيين ومدراء برمجة في نات فليكس غوغل، آبل، وغيرهم رفقة 3 مترشحين آخرين من بين أفضل 500 مشروع. ثم حصلت في مرحلة التصويت على أكثر من 10 آلاف صوت في  شيكاغو وكنت الفائز”. يعود نجاح فؤاد كمدير تنفيذي إلى الخبرة التي اكتسبها في القيادة والإدارة عندما كان باحثا في جامعة نيفادا، حيث أخذ دروسا هناك. وفي مركز البحث اكتسب خبرة أيضا وخضع لتدريب وبرنامج سريع ليصبح أفضل مدير تنفيذي في الذكاء الاصطناعي في شيكاغو. (للإطلاع عن المزيد حول الجائزة اضغط هنا).

خلق اقتصاد المعرفة في الجزائر

يتطلع الدكتور فؤاد بوسطوان إلى المزيد من العلم وتطوير منظومة تساعد في تحسين حياة الناس ومعالجة الأمراض مثل السيدا والسرطان باستخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع وتيرة تطوير الأدوية واللقاحات وتطوير المدن الذكية والسيارات والثورة الزراعية للحد من الجوع.

وفي الجزائر يأمل في فتح مراكز بحث تكون الأفضل في إفريقيا والبحر المتوسط. يؤكد فؤاد: “مازالت لدينا فرصة للتقدم وجلب شركات كبرى وخلق اقتصاد مبني على المعرفة”.

يعمل فؤاد كذلك مستشارا لـ10شركات مصغرة في أمريكا تستخدم الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عمله كمدير تنفيذي في الذكاء الاصطناعي ويرغب في مشاركة هذه الخبرة مع شباب بلاده، موضحا: “أمريكا نجحت لأنها تملك أحسن مناخ لمساعدة الشركات المصغرة ويمكننا خلق نفس المناخ في الجزائر”.

ويستشهد بالمفكر مالك بن نبي، الذي تأثر به، حيث يرى في تصوره للحضارة والازدهار أن إنشاء مراكز البحث والشركات الكبرى يسرع وتيرة المعرفة، حيث يجب تقديم الأفكار في الوقت المناسب. ويختتم الدكتور المختص في الذكاء الاصطناعي لقاؤه مع سوبرنوفا قائلا: “من هذا المكان أرسل سلامي إلى جميع الجزائريين أينما كانوا، أصدقائي وعائلتي. خاصة أمي العزيزة بهلول عاجية وأبي رحمه الله  شعبان بوسطوان”.

المصدر: سوبرنوفا

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى