كيف يدمرنا الذكاء الاصطناعي بالرياضيات؟!

خوارزميات الإضطهاد وأسلحة التدمير الرياضياتي Weapons of Math Destructio. قد يكون الطرح غريباً بعض الشيء لكنه الواقع الذي نعيشه. ولكن كيف يدمرنا الذكاء الاصطناعي باستخدام الرياضيات.

فعلا سيطرة الذكاء الاصطناعي لم تعد مستقبلا لكنه الحاضر بل. ومنذ على الأقل عشريتين كاملتين. وهنا تطرح بعض استخداماته التي غيرت حياة ملايين من البشر بشكل أو بآخر.

الذكاء الاصطناعي وتعزيز العنف

شاهدنا مؤخراً ثورة الشعب الأمريكي ضد العنصرية التي زادت عن حدها. وخاصة من طرف الشرطة ضد المواطنين من عرقيات مختلفة. ومن الأسباب التي زادت من هذا العنف العنصري الموجه هو إعتماد مراكز الشرطة على برامج ذكاء اصطناعي. والتي تعتمد على خوارزميات رياضية سميت بلوغارتميات أو خوارزميات الاضطهاد Algorithms of Opression.

هذه الأخيرة لها مجالات تطبيقية واسعة. وأثرت تطبيقاتها سلبا على حياة مواطنين أبرياء فقط لأنهم سود أو من خلفيات أخرى ويسكنون مناطق ظل جعلتهم مشكوك فيهم. ومن بين التطبيقات المعروفة لها ما تستعمله مراكز الشرطة الأمريكية.

تستعمل الشرطة هذه التطبيقات خصوصا فيما تسميه مكافحة الجريمة. وذلك لكي “تتوقع” أماكن وأوقات حدوث الجرائم التي تصنف في قاعدة بياناتها حسب درجة خطورتها. بدءاً بجرائم القتل والاغتصاب ثم السرقة والتخريب وتجارة المخدرات. وصولا إلى جرائم أقل خطورة مثل الركن الغير قانوني وعدم دفع مخالفات المرور… إلخ.

هذا بالضبط ما تحدثت عنه أخصائية الرياضيات والبيانات الضخمة الدكتورة كاثي أونيل Cathy On’eal في كتابها الشهير بعنوان:
“أسلحة التدمير الرياضاتي – Weapons of Math Destruction “.

تأثير الذكاء الاصطناعي في حياتنا

يتناول الكتاب دراسة وتحليل وكشف خفايا الخوارزميات. والتي رمزتها طوال الكتاب ب: “WMD” اختصارا ل Weapons of Math Destruction. والتي تستعمل في كافة مناحي الحياة مثل البنوك، الشركات، المدارس، مقرات الأمن وغيرها. وكيف يدمرنا الذكاء الاصطناعي بسببها.

الكتاب سردي ومنظم بشكل بيداغوجي يسمح لك بالغوص في التفاصيل “التي تكون أحيانا غير ضرورية”. واستكشاف مدى تاثير الذكاء الاصطناعي فعلا في حياة البشر منذ حوالي عشريتين.

برامج رقمية في كرة القدم

تطرقت الكاتبة في الفصل الأول إلى تعريف النماذج الرياضية :Models .وطرحت أمثلة عن استخدام الWMD في مجال الرياضة. وبالضبط كرة القدم الأمريكية. وكيفية استعانة المدربين بها لوضخ خطط من خلال برمجة مسبقة لبيانات كل لاعب من الفريق المنافس. وتوقع الخطواة التي سيقوم بها من خلال نموذج خاص به Pattern. ومن ثم وضع خطة مناسبة. تباع هذه البرامج بملايين الدولارات وتستحدث بياناتها يوميا.

خطر البرامج الرقمية على التعليم

المثال الثاني الأكثر تأثيرا هو استعمال WMD من طرف المدارس والثانويات. في تقييمات الأساتذة وفي آخر السنة يصدر تقرير طرد أساتذة لم يتحصلوا على معدلات معينة.

تعتمد هذه البرامج بشكل كبير على نقاط الطلبة في نهاية كل فصل. وهذا غير عادل لأنه دفع الكثير من الأساتذة لتضخيم النقاط لكي ينجوا من مقصلة WMD. التضخيم سيستمر من سنة لأخرى وهكذا.

وأمثلة أخرى تسببت في انتشار الغش .أيضا طرحت الكاتبة مشكلة تفشي الغش في احدى القرى الصينية. واحتلالها للمناصب الأولى. وهذا ما دفع الحكومة لاجراء تحقيقات. ووجد الخلل في برامج WMD.

تكلمت أيضا الكاتبة في الفصل الثاني والثالث عن أمثلة أخرى من بينها تصنيف الجامعات وتوجيه الطلبة اعتمادا على برامج مماثلة. أدت إلى نوع من اللاعدل. لأنها اعتمدت على نماذج تأخذ في عين الاعتبار معايير غير منطقية كمداخيل الأبوين ومنطقة سكن الطلبة… إلخ. وهناك يظهر كيف يدمرنا الذكاء الاصطناعي بهذه البرمجة.

برامج رقمية لاضطهاد البشر

عنوان الفصل الرابع Civil Casualities : Justice in the age of big data. وهو أكثر فصل لفت نظري في ظل ما يحدث حاليا. في منتصف التسعينيات لجأت الكثير من إدارات الشرطة لشركات البرمجة ومعالجة البيانات. من أجل تصميم برامج تسمح بمتابعة وتوقع حدوث الجرائم قبل وقوعها بزمن. وهو ما يسمح لدوريات الشرطة بالوصول لمكان الحادث المتوقع.

كل ولاية وكل دائرة استخدمت شركة معينة من أجل نفس الخدمة. وهذه الشركات لكي تنتج برنامج مماثل، عليها أن تعتمد على معطيات سابقة توفرها مراكز الشرطة الزبونة لديها. حيث تصنف البيانات بصفة تسمح برسم خريطة جغرافية عليها أماكن حدوث جرائم كبيرة في المدينة في آخر ثلاثين إلى خمسين سنة.

وذلك حسب تسجيلات وترشيف كل مركز. وعليه يتم التصنيف حسب المكان الجغرافي ثم العرقي ثم الصفة ثم الضحايا المستهدفين وغيرها من المعطيات. بعد أن داومت الشرطة على إستعمال هذه التقنية، لوحظ انخفاض كبير في نسب الجريمة. لكن بعد سنوات لوحظ أيضا عدد كبير من ضحايا الشرطة. حيث ألقي القبض على مجرمين وهميين يسمون ”مجرم بدون ضحية”.

وهم فئة تعج بهم السجون الأمريكية. وغالبيتهم الساحقة مظلومين. وفي حالات أخرى تتسبب في قتل المشتبه به مع أنه بريء مثل ما حدث مؤخرا مع فلويد.

كل سيارة شرطة مزودة بنظام يخبرهم بامكانية حدوث جريمة في مكان معين فتكثف الدوريات في ذلك المكان “Stop and frisk”. وإذا شوهد أي شخص “مشبوه” فتهاجمه الشرطة من خلال ”حكم مسبق”. بالمقابل في أحياء الأثرياء لوحظ ارتفاع مستويات الجريمة غير معلنة التي لا تظهرها البرامج.

برمجة غير عادلة

الفصل الخامس من الكتاب أيضا طرح مشكلة التوظيف التي تستعمل  WMD. حيث يستبعد آلاف الشباب من مناصب عمل حكومية أو أمنية. لأن خلفياتهم غير محببة لهذه البرامج ومبرمجيها. لكن هذه المشكلة في طريق الزوال مع التحديث المستمر وتغليب Meritocracy.

الفصل السادس كان حول تقييم طالبي القروض البنكية. اعتمادا على برامج تدقق في خلفيات طالب القرض العرقية أو الدينية وغيرها. وهكذا نفهم كيف يدمرنا الذكاء الاصطناعي بهذه البرامج.

أخلقة المبرمجين لحماية الناس

في الأخير، الفصلين السابع والثامن من الكتاب، طرحت الكاتبة كاثي أونيل عدة مقترحات أو حلول لتجنيب الناس كوارث WMD. وذلك بأخلقة المبرمجين الذين كانوا هم السبب في تكييف البرامج حسب ايديولوجياتهم أو منظوراتهم. 

هذا بالضبط ما طرحه العلامة المصري علي مصطفى مشرفة، رحمة الله عليه (1898▪︎1950) الذي يلقب ب”أينشتاين العرب”. وهو فعلا كان تلميذا لألبرت أينشتاين والذي كان أول من كتب أبحاثا عن الذرة وميكانيك الكم باللغة العربية. والذي قال في الفصل الأخير لكتابه “نحن والعلم” الصادر في سنة 1945 أن أول نقطة جديرة بالبحث إنما هي المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق العلم والعلماء. أو يُظن أنها تقع على عاتقهم إزاء تلك الآلات والمخترعات الجهنمية.

والتي ترمي لإهلاك البشر وتعذيبهم. وهنا يجدر بالمفكر أن يفرق بين العلم البحت الذي يرمي إلى المعرفة لذاتها وإلى نوع آخر من المجهود البشري له. الذي له صلة بالعلم وإن لم يكن منه في شيء. وأقصد به الاختراع أو العلم التطبيقي كما يسمى.

المسؤولية الإجتماعية لحماية الناس

ولا شك في أن المسؤولية الحقيقية في استخدام مثل هذه الآلات إنما تقع على الذين يقومون على استخدامها في التدمير والتعذيب. وكل ما يمكن أن نطلبه من العلماء أن يبنوا الأخطار التي تنجم عن تطبيق علمهم في اختراع مثل هذه الآلات.

وعلى القائمين على تنظيم التعاون العالمي أن يُسِنوا القوانين لدرء هذه الأخطار. وأن يعاملوا من تُحَدِّثه نفسه باستخدام نتائج العلم في التدمير والتخريب معاملة المجرِم سواء بسواء. وأن يكون لديهم من سلطة التنفيذ ما يُمكِّنهم من معاقبة هؤلاء المجرمين والقضاء عليهم وقطع دابرهم.

والنظام القائم الآن في الأمم المختلفة يسمح لكل مخترع باختراع ما يشاء من الآلات، كما يسمح له بتسجيل اختراعه بحيث يصبح له الحق في الحصول على الفائدة المالية التي تنشأ عن استخدام اختراعه. ولا تفرق القوانين الحالية بين المخترعات المختلفة ضارِّها ونافعها.

وأكثر من ذلك تقوم كل حكومة بتشجيع المخترعين على استحداث وسائل التدمير والتخريب وترصد لذلك الأموال في ميزانياتها. ويتسابق الجميع في هذا الميدان تسابقًا عنيفًا. ولا شك في أن هذا النظام فاسد يجب تغييره إذا كانت الأمم جادة في طلب التعاون العالمي. كما يجب أن يحل محله نظام آخر مبني على تفرقة واضحة بين ما هو مشروع وما ليس بمشروع في الاختراعات والوسائل المستحدثة.

إذا وُضع نظام كهذا وتعاونت الأمم على تنفيذه بإخلاص وكانت لديها الوسائل الناجحة لضمان تنفيذه، أقول إذا حدث كل هذا فإن المخترعين سيتجهون باختراعاتهم في النواحي المشروعة. ونكون بذلك قد وجهناهم توجيهًا صحيحًا نحو فائدة البشرية.

يعالج كتاب Algorithms of oppression للكاتبة “صافيا نوبل Safya Noble” نفس المشكل بمنظور أكثر إيجابية.

الكاتب: محمدي أحمد نسيم

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى