قصة غواص جزائري طاف بأوروبا ثم عاد للوطن

كمال ناصف، شاب جزائري، غاص في أعماق البحر، وكشف خباياه للناس بعين الكمرات التي يزرعها تحت الماء بعشرات الأمتار ببريطانيا، وبعدها رافق السواح إلى قاع البحر للتفرج على عالم الأسماك والمرجان، ثم ساهم في تغدية اللؤلؤ الذهبي في اليونان قبل أن يعود إلى الجزائر ليغوص من أجل معاينة أشغال الشركة التي يعمل فيها، أين إكتشف اللاشيء بعدما جرب كل شيء.

خبرة في بحار أوروبا         

أول ما إكتشف كمال عالم البحر وأسراره كان في مدرسة ببومرداس، أين تعلم الغطس وحصل على شهادة “غواص من الدرجة الأولى” ثم تدرج في درجات الشهادة الثانية والثالثة والرابعة، ليصبح بذلك مدربا و”غواصا محترفا”. قبل أن يقرر الغواص الهجرة إلى أوروبا سنة 2005.

في بريطانيا عمل كمال كتقني في استوديو تصوير لشركة تصوير أفلام وثائقية. وهناك كان يقوم بغرس أو زراعة الكمرات تحت الماء لإلتقاط صور نادرة ومميزة وإكتشاف أغوار البحار. بعد مدة ليست بالطويلة من عمله في التصوير، عقدت الشركة اتفاقية مع شركة سياحية متخصصة في التدريب على الغطس باليونان. وهي التجربة الجديدة التي خاضها كمال وطبق فيها “القانون العالمي للغطس”، الذي تفرضه الشركة وتلتزم به. ويقول كمال: “تدريب الهواة لا يتم في البحر المفتوح ولكن في أحواض مائية أو مسابح خاصة. بعد ذلك يمكنهم الذهاب إلى البحر مع غواص محترف من الدرجة الرابعة”. وذلك للمشاركة في رياضة رائجة بأوربا بعد تدريب يستغرق أكثر من شهر ونصف.

على مدار خمسة سنوات كاملة من العمل في هذا المجال، اكتشف كمال متعة الغطس وفنونه وخصوصا قوانينه ولوازمه الضرورية، قبل أن ينتقل للعمل في شركة أخرى مختصة بصناعة منتوجات التجميل والعطور. وهناك عمل بفرع زراعة اللؤلؤ، أين كان يقوم بالغطس إلى عمق البحر، أين توجد صناديق اللؤلؤ على عمق من 70 إلى 80 متر تحت الماء، من أجل تغذيتها.

إكتشف كمال مرة أخرى عالم اللؤلؤ، وكيفية زراعته في صناديق يسهر على حمايتها مختصون على مدار 5 سنوات كاملة، وهي المدة اللازمة لهذه الزراعة. وتعرف على أنواع اللؤلؤ. ويقول كمال: “يوجد اللؤلؤ الأبيض والذهبي أيضا، والذي يعتبر أكثر الأنواع غلاء، وهو الذي تستثمر فيه الشركة التي تقدر أرباحها بـ200 مليون دولار في العام.”

بعد أكثر من 6 سنوات من العمل في مجال الغطس بأوروربا، قرر كمال العودة للوطن سنة 2011 بعد الأزمة الإقتصادية التي مست الشركات الأوروربية. وهو يحمل خبرة سنوات من العمل في تعليم الغطس للهواة، والمركبات السياحية تحت الماء، وزراعة اللؤلؤ ومئات التقنيات الخاصة بالعمل والأهم كيفية إحترام المعايير والقنوانين الدولية للغطس.

الفرق بيننا وبينهم

في الجزائر، وقف كمال على معاناة الكثير من الغواصين الذين يعملون في ظروف صعبة، لا يُحترم فيها القانون الدولي للغوص وأولها غياب “غرفة التخلص من الضغط”  يقول كمال: “عند الغطس إلى عمق أكثر من خمسة وعشرين مترا، فإن الغواص يستهلك الكثير من الآزوت الذي يجب أن يخرجه من جسده عن طريق التوقف أثناء الصعود كل عشرة أمتار لمدة 3 دقائق، وإلا فإنه معرض للإصابة بجلطة دماغية.”

ومن أجل التخلص من الضغط الذي يتعرض له الغواص تحت الماء والذي يفوق قيمة 1 بار، أي المقدار الطبيعي، يفرض القانون على الغواص الإقامة في غرفة خاصة، مجهزة بأجهزة التخلص من الضغط، تساعده على التخلص من الضغط، خاصة عند شعوره بألم في الرأس أو صوت في الأذن، وهو ما قد يحتم على الغواص البقاء فيها لمدة أسبوع كامل.

ويقول كمال: “الغرفة ضرورية جدا، ومن المفروض كل غواص يبقى داخيها 24 ساعة حتى لو لم يكن يعاني من أية أعراض”. ونظرا لعدم توفر هذه الغرفة التي يصل سعرها إلى 8 ملايير سنتيم، أكد كمال أن الغواصين يتفادون النزول إلى أكثر من 30 متر تحت الماء تجنبا للحوادث الممكنة.

آلام الرأس لأسابيع

لا يتوقف الأمر عند غرفة التخلص من الضغط، وإن كان الغواص يضطر لإحتمال آلام الرأس أسابيع في ظل غيابها، وإنما يفتقد الغواص أيضا إلى العمل بـ “ميتروكس” الخالي من الآزوت، والذي من شأنه تقليل الحوادث بصفة كبيرة، ويقول كمال: “نحن مازلنا نعمل بالهواء المضغوط ولكن عالميا أصبحوا يعملون بـ “الميتروكس” أوبالأكسجين الصافي”.

ويقوم العمل بالأسكجين الصافي على مبدأ  نزع الهيدروجين والآزوت من الهواء وترك الأسجين فقط، ثم تحتاج العملية إلى تدريب الغواصين على طريقة إستنشاق الأكسجين، دون طرح الهيدروجين. وهذا النوع يستعمل عادة في المهمات الطويلة، مثل غرق باخرة أو غريق وغيرها، أي أن إمكانية بقاء الغواص تحت الماء قد تصل إلى 13 ساعة وأحيانا إلى 15 ساعة كاملة، بينما باستخدام الهواء المضغوط لا يمكنه البقاء أكثر من 3 ساعات كأقصى تقدير.

فوق كل هذا، وفي مثل هذه الظروف، يعمل العديد من الغواصين لدى مؤسسات خاصة، بأجور زهيدة لا تتماشى إطلاقا مع متاعب المهنة ومخاطرها. والتي تتطلب نظام تغدية خاص ينبغي احترامه، بحيث يحتاج الغواص إلى 8 آلاف وحدة حرارية يوميا، كما ينبغي عليه تناول البروتين المركز. وهي الأغذية المكلفة، التي توفرها عادة الشركة للغواصين في مختلف دول العالم أو تخصص لهم “مبلغ خاص بالتغذية”. وفي هذا يقول كمال: “بالمرتب الحالي للغواصين لا يمكنهم توفير هذه الأغذية الصحية، إنها تكلف وحدها 20 ألف دينار على الأقل شهريا”.

البحر منبع مواد التجميل

بحسرة كبيرة، يتفرج كمال ناصف على ثروة بحرية ضائعة على طول الساحل الجزائري، بعدما رأى بلدانا أخرى تنقب عن بعض ما يجوده به بحرها لتستثمر به وتخلق منه ثروة طائلة. يقول كمال: “المركبات السياحية تحت المياه تدر الملايير وهي سياحة رائجة جدا في أوروبا”. وغير بعيد عن المركبات السياحية التي تستثمر فيها الدول الأوروبية وتخلق منها مصدر ثروة، تبقى الطحالب البحرية المنتشرة في البحر بكميات هائلة وعلى عمق 10 أمتار فقط تحت الماء، غير مستغلة في الجزائر، بينما تصنع منها دول أخرى الأدوية ومواد التجميل.

يقول كمال: “توجد الكثير من النباتات البحرية التي لا يعرفها الجزائريون، وهي مادة أولية تستخدم في صنع الماركات العالمية لمواد التجميل”. بالمقابل ما زالت تربية المائيات ضعيفة جدا في الجزائر وتقنياتها غائبة والمختصين فيها أيضا، يقول كمال: “ضعيفة مع أنها تجارة مضمونة ومربحة”. وهذا بالرغم من عمل الدولة حاليا على تطوير قطاع علوم البحار، وتشجيع الاستثمار في مجال تربية الاسماك، حيث يوجد مركز في تيبازة وبوسماعيل لتربية الأسماك، ومكتب دراسات لأعمال البحر بالسعيد حمدين، بالإضافة إلى مزرعة أسماك في بومرداس وأخرى في تيزي وزو وبواسماعيل. وهي المدارس التي تم فتحها منذ سنوات قليلة وتوظف عددا كبيرا من الغواصين.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى