قصة باحثة جزائرية صنفت في قائمة أشهر النساء في مجال العلوم بالعالم

حليمة بن بوزة، باحثة جزائرية، تشغل منصب مديرة مركز بحوث التكنولوجيا الحيوية الوطني بالجزائر. نشأت في منطقة جبلية وفي وسط يرفض تعليم بناته، ومع ذلك تحدت كل تلك الصعاب، فأكملت تعليمها حتى أنهت مرحلته الجامعية في الوطن، وواصلت بعد هذا الدراسة في بلجيكا ثم الولايات المتحدة الأمريكية.

تُوِّجت حليمة بالعديد من الجوائز والتكريمات، ففي عام 2014 انضمت إلى ’قاعة النساء المشاهير في العلوم‘، وهو تكريم لأفضل عالِمة، سنَّته وزارة الخارجية الأمريكية منذ سنة 2010.

وفي عام 2016 اختيرت من قِبَل ’منتدى آينشتاين القادم‘ واحدةً من أفضل ست باحثات يُسهمن في دفع عجلة العلوم بالقارة الأفريقية. وفي العام نفسه عُيِّنت لتمثيل الجزائر في اللجنة الحكومية لأخلاقيات البيولوجيا التابعة لمنظمة اليونسكو.

نقلت شبكة SciDev.Net سيرتها ومسيرتها والتحديات التي واجهتها في حوار مطول اقتطفنا منه هذا البورتريه.

تحدي الظروف الأمنية والتظاريس في سبيل العلم

كانت انطلاقة حليمة خلال فترة التسعينيات. عندما كان القليل فقط يغامر لتحصيل علمه أو لقمة عيش أولاده. لكن الرغبة التي كانت تحدوها، لم تستطع التهديدات الإرهابية توقيفها، ولا حتى صعوبة تضاريس المنطقة التي كانت تعيش فيها وسط جبال الأوراس شرق الجزائر، تحديدًا بولاية باتنة.

تقول حليمة: “اهتمامي الأول والأخير كان العلم والمعرفة. والحمد لله لم أتلقَّ معارضةً من والديَّ. وهو موقف السند الذي زادني قوةً وهمة. وكذا الأساتذة الذين حفزوني جدًّا؛ نظرًا لمستواي في ذلك الوقت”.

زاولت حليمة مرحلة التعليم الأساسي بمنطقة عين توتة الجبلية بولاية باتنة شرق الجزائر، وكذا بولاية ورقلة جنوب الجزائر، بحكم وظيفة والدها هناك. وكسرت نظرة المجتمع إلى الفتاة المتعلمة، حينما قررت دخول الجامعة عام 1989، وأنهت دراستها بها.

وفي قرراة نفسها المواصلة للحصول على الماجستير. تقول حليمة “بدأت أفكر في الدراسة بالخارج، وفعلت كل شيء للحصول على منحة دراسية، كان هذا أحد أهداف حياتي”.

السفر للدراسة في بلجيكا

في عام 1998 قررت السفر إلى بلجيكا، لمواصلة دراستها في جامعة جيملوكس للتكنولوجيا الحيوية الزراعية؛ حتى حصلت على الماجستير.

ركزت في دراستها على تحسين الخصائص الوراثية للنباتات، وربطها بالخصائص العلاجية. “بعد الجائزة التي حصلتُ عليها في عام 2000 لنتائج بحثي في ​​إدارة مكافحة المخدرات في الجامعة، نجحتُ في الحصول على منحة دكتوراة من وزير الدولة البلجيكي للتعاون التقني”.

انتقلت بعدها إلى جامعة لييج البلجيكية أيضًا، وفيها حصلت على الدكتوراة عن بحث في علم الوراثة وتربية النباتات، ورسم خرائط جينات البذور وانتشارها.

هذا البحث أهَّلها لتلقِّي دعوة رسمية من فريق بحث يعمل في مركز أبحاث تابع لخدمة البحوث الزراعية. وهي وكالة تتبع وزارة الزراعة الأمريكية، كانت تشرف على دراسة مماثلة، بحيث أسهمت معهم في تطوير هذا الشق من البذور.

بالإضافة إلى ذلك، عملت لمدة عامين في شركة ’دوو للعلوم الزراعية‘؛ من أجل تحسين مقاومة القطن لمرض الذبول الفيوزاريومي. “تم اختياري ممثلًا رسميًّا للجزائر في اللجنة الدولية الحكومية لأخلاقيات البيولوجيا، التابعة لمنظمة اليونسكو، بين 2015 و2019”.

وما بين سنوات 2013 و2015 تم اختيارها على رأس اللجنة التوجيهية لمشروع الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية في الجزائر، من قِبَل رئيس الوزراء، ثم تولت إدارة المركز الحكومي الوحيد للتكنولوجيا الحيوية في قسنطينة، تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

دون نسيان الدور الأكاديمي والتعليمي في الجامعة، باحثةً في مجال التكنولوجيا الحيوية، الذي هو روح الحياة بالنسبة لها، مع الإشراف على مرافقة طلبة الدكتوراة ومتابعتهم.

الجمع بين الزراعة والصحة في البحث العلمي

استطاعت دمج الشق الزراعي بالصحة في أبحاثها بفضل ميولها إلى تطوير الأبحاث لتشمل المجالات الصحية والتكنولوجية، ولا أحد ينكر العلاقة الكبيرة بين الطب والنبات وحياة الإنسان.

قدمت مشروعًا لتقديم نبتة ستيفيا وزراعتها في الجزائر، وبطبيعة الحال لإجراء دراسات بحثية حول هذا النبات الذي يُستخدم في المنتجات الاستهلاكية المخصصة لمرضى السكر أو الأشخاص الذين يرغبون في صنع نظام غذائي من دون سكر مضاف. بالإضافة إلى بحث تطوير بذور القطن لتتحول إلى مادة استهلاكية، خاصةً في المناطق الفقيرة.

 الباحثة: “كنت أطَّلع كثيرًا وأنا في بلجيكا على أخبار المجاعة في العالم، وكثيرًا ما كانت تؤلمني صور الجوع والفقر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فقررت التوغل والبحث في كيفية التخفيف من آلامهم، ولو بالقدر القليل”.

لهذا السبب اختارت العمل على نبات القطن لاستخدام هذه البذور في غذاء الإنسان والحيوان؛ لأن بذور نبات القطن غنية بالبروتينات. استطاعت أن تطور -من خلال بحث مقدم في جامعة لييج البلجيكية- بذور القطن، من بذور إنتاجية تسهم في رفع الاقتصاد وتحسينه، إلى مادة استهلاكية، بإمكانها التخفيف من المجاعة في العالم، باعتبار أن عددًا من تلك المناطق يصلح لزراعة القطن.

أبحاث لتقليل معاناة مرضى السكري

ومن الدراسات التي كانت حريصةً على إسقاط نتائجها على أرض الواقع، خاصةً في الجزائر، ما تعلق بنبتة ستيفيا، المنتشرة بأمريكا اللاتينية على نحوٍ واسع وفي بلدان أخرى؛ لأنها ستقلل معاناة مرضى السكري مع المأكولات والمشروبات بدرجة كبيرة. ستيفيا نبتة يُستخرج منها سكر طبيعي خالص، شديد الحلاوة، لكن العجيب أنه لا يؤثر بتاتًا على نسبة السكر في الدم.

الدراسة توصلت أيضًا إلى إمكانية زراعتها في بلاد المغرب العربي، وبلدان أخرى مثل مصر، وقد قدمت للسلطات العليا في البلاد دراسة إمكانية استيرادها أو زراعتها واستثمارها محليًّا، لكن ذلك لم يتجسد إلى يومنا هذا للأسف.ثمة مساعٍ من قِبَل أحد المستثمرين من أجل تحقيق حلم المرضى، والعمل على جلب النبتة وزراعتها، وهي في انتظار ذلك.

العمل في الجزائر في حدود الإمكانيات المتوفرة

تتمسك الباحثة بالبقاء في بلدها رغم العرض التي تصلها، فقد عُرضت عليها مناصب رفيعة، باحثة في عدة بلدان غربية، إلا أنها رفضتها. من بينها عرضا مُغريًا لتولِّي منصب نائب المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة –إيكاردا.

تقول الباحثة في حوارها “الرفض جاء عملًا بوصية والدي، الذي سمح لي بأن أكون في الصف الأول داخل وخارج الجزائر، ولكن اشترط عليَّ بعد التخرج، العودة إلى الجزائر والإسهام في تطوير البلاد”.

لذا تعمل في الجزائر بقدر ما هو متوافر من إمكانيات، مع إسهاماتها عالميًّا من خلال ملتقيات ومنتديات بحثية، تكون بإشراف جامعات غربية، وبتأطير باحثين زملاء من جل القارات في مجال الزراعة والبيوتكنولوجي.

تعمل حاليًّا -ورفقة عدد من الزملاء والباحثين عبر العديد من الدول، على ترقية أخلاقيات البحث العلمي، والسلامة الحيوية والأمن الحيوي في المعامل البحثية، وسبل بلوغ دراسة شاملة تفرض ذلك في الواقع.

المصدر: هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى