جزائري جمع بين الهندسة المعمارية والكتابة الأدبية والفكرية

يوسف بوذن، أستاذ في الهندسة المعمارية بجامعة باتنة. يمارس الكتابة الأدبية والفكرية. أنجز منذ سنوات أطروحة جامعية طبّق فيها أحدث مناهج البحث الأدبي على الفن المعماري.

يهتم الباحث يوسف بالعلاقة “الحميمة” بين الأدب والهندسة. ويعتبر أن المعمارة لعبة، على حد تعبير المعماري الكبير لوكوربوزييه (le Corbusier) الذي تحدث عن هذه اللازمة ويكثف إيحاءاتها، معتبرا ان العمارة ما هي إلا لعبة عالمة تسمح بلقاء جليل بين الأشكال والضوء. حسب ما جاء في حواره مع جريدة “الشعب ويكاند”.

علاقة الهندسة المعمارية بالأدب

يعتبر يوسف أن إدراج الضوء في عملية الإنتاج يتجاوز الحضور الشكلي للشمس أو التلصص على عمل أهل المدينة. لا عمارة بلا ضوء وإلا صارت سجنا للمحرومين، ولا أدب بلا ضوء وإلا صار تسوية لغوية مع الموت البطيء.

يقول يوسف: “أصبح بإمكاننا الحديث عن عمارة النصوص الأدبية أو أدبية المشاريع الهندسية، لا من أجل إيجاد تماثل مستعجل سيفقد طاقته بعد حين، وإنما للبحث عن توقيعهما في مجال مدهش هو الآخر ألا هو مجال السردية. يقوم مبدأ الحكايات في ألف ليلة وليلة – كما يقول الخطيبي – على مبدأ: أحك حكاية جميلة وإلا قتلتك. المبدأ يؤهل كل مصمم سواء أكان مهندسا أو أديبا لأن يكون، في حالة إخلاله بقاعدة السرد هذه، حفارا للقبور”.

السيميائية في فن العمارة

عندما كان الباحث يتقرّب من النصوص الأدبية، أثار انتباهه بروز المنهج السيميائي كمشروع يطمح إلى استدراج كل التشكلات اللغوية وغير اللغوية إلى لعبة المعنى. ما كان مجرد إحساس بريء بالخيبة جراء ما تراكم في وعينا من احباطات قاسية أصبح مع البحث بمثابة وقوف وجها لوجهه أمام هول الخواء، خواء المدينة من الحياة السيميائية. وإصرارها على مهانة الكمون والافتراض. ولا شك أن اللجوء إلى مثل هذه المناهج الذكية سيغذي ويثري معرفتنا، بعد مرافقتها لنا إلى حد الهاوية، بالأساليب الحيوية على مستوى الإنتاج والتلقي لتجاوز خطورة العيش المبتذل.

أمراض العمارة في الجزائر

ويرى يوسف أننا لا نعرف كيف نصل إلى المدينة، واخترنا أسوأ الكلمات للحديث عنها. وفضّلنا أفقر الأفكار لرسمها وإنتاجها. خواء الفضاء العمراني بما هو نص روائي يعود إلى أسباب تاريخية وليس إلى عاهات فطرية في جسدنا. أتكلم هنا عن المدينة في معناها النبيل، بصفتها رواية يشترك في كتابتها مجموعة من المؤلفين الذين اختاروا طواعية عدم ذكر أسمائهم، هذا ما علمنا إياه كتاب «ألف ليلة وليلة».

سهوا فادحا ارتكبه المدوّن وإنما هو اقتصاد جذري للقائمة الطويلة التي ساهمت في إنجازها. وكما أن النص الأدبي الرديء هو «لامكان» لا بالمعنى ما بعد الحداثي، وإنما هو احتقان أو ورم لغوي جاء ليدنس بياض الورق ويحرم القارئ من التجول الممتع في المكان والزمان.

يشير «بول فاليري» في إحدى كتبه إلى ثلاثة أنواع من البناءات، بناء أبكم وبناء يتكلم والبناء الراقص. نحن نعيش في كنف أشياء فقدت القدرة على الكلام، آيلة للسقوط، مهمتها هي إجبارنا على اقتراف آثام اليأس والتوقف النهائي عن تخيل وصلة راقصة نكتشف من خلالها خفة الوجود البليغ.

النص الأدبي الرديء، كما هي المدينة المتضخمة (كما أسميتها)، هو أنقاض لا اطلال لأنه لا يغير علاقتنا بالزمن ولا يثير فينا أي شعور بالانتماء اللطيف ولا يقاوم الموت بل يقتل كل المنتسبين إليه.

المصدر: الشعب ويكاند

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى