في 21 أكتوبر من سنة 1904، رحلت ايزابيل ايبرهارت، الكاتبة الأوروبية التي ولدت وترعرعت في جنيف السويسرية، قبل أن تقرر الانتقال إلى الجزائر وتعيش تجربة حياة مختلفة. الجميع يعرف ارتباطها بمدن محددة في الجنوب، كتابة ومعايشة، خاصة مدينة العين الصفراء ومدينة الوادي (التي أطلقت عليها مدينة الألف قبة) وربما بوسعادة والقنادسة. لكن هناك محطة أساسية هامة أغفلها الكثير، هي مدينة عنابة (بونة آنذاك) والتي زارتها رفقة أمها سنة 1897، في أول زيارة لها إلى الجزائر.
في البداية كانت تقطن رفقة أمّها في حي أوروبي، قبل أن تغادره فجأة وتقرر الالتحاق بالحي العربي، اعتراضا منها على سلوكات المعمّرين الفرنسيين والأوروبيين، المنافية لأفكارها ومبادئها. فترة إقامتها بمدينة عنابة، كانت بمثابة المنعطف الحاسم في مسار حياتها، فهي المدينة التي شهدت وفاة أمها “ناتالي دي ميردير”، التي دفنت في مقبرة المسلمين بعنابة تحت اسم “فاطمة المنوبية” (لا يزال قبرها قائما إلى الآن). وفاة أمها أثر فيها تأثيرا شديدا، ففي رسالة كتبتها إلى صديقها “علي عبد الوهاب” في تونس، تقول: “ساعدني أخي، أنا في حاجة إليك، أرغب في الالتحاق بك وبالوسط المسلم، أشعر بوحشية الفراغ المهول الذي تسبّبه وفاة أمي في حياتي”؛ حسب إيدموند شارل رو الكاتبة الفرنسية المتخصصة في ايزابيل ايبرهارت، اعتنقت إيزابيل هي وأمها الدين الإسلامي في مدينة عنابة، وهناك أيضا تبنّت الاسم العربي المستعار “محمود”، وهو الاسم نفسه المنقوش على شاهد قبرها. ثم تضيف : “في عنابة ترسخ شغف إيزابيل بنمط الحياة الشرقي، وقد تجاوز لديها بهاء العالم الديني للمسلمين، من ذوق فطري للون ولجمالية الموقع، إلى اقتناع شديد، حيث بلغت الحدود القصوى لرغباتها من خلال تبنّيها للبساطة الإفريقية: البساطة في المسكن، في المأكل، وفي الملبس، وفي الأخير في بونة (عنابة حاليا) لبّت إيزابيل نداء الإسلام، واعتنقت الدين الإسلامي”.
بوداود عمير
شارِكنا رأيك بتعليق!
(التعليقات)