قصة حب حقيقية بين جزائري مسلم وراهبة فرنسية

من أوجه الخلل في الساحة الثقافية أن بعض الأعمال الصادرة عندنا، رغم قيمتها الأدبية وأهميتها التاريخية، لا تحقق الحدّ الأدنى من الاهتمام، وسرعان ما يطويها النسيان مع مرور الزمن؛ لو أتيح لها الصدور في مكان آخر سيكون لها شأن مغاير، وستحظى بمتابعة إعلامية واسعة، ومن المؤكد أنها ستتحول إلى عمل درامي في التلفزيون أو السينما.

الكتاب عنوانه «ملحمة راهبة في الصّحراء» صدر عن دار دحلب للنشر سنة 1993. وهو عبارة عن قصّة تراجيدية واقعيّة، عاش أحداثها ومغامراتها سنة 1949، زايد بوفلجة (1909-1993)، والذي كتب في مقدمته أن أحداث القصة حقيقية، لا تمتّ للخيال بأدنى صلة، وأضاف: “ضحايا هذه المأساة، وجلّ شهودها، يوجدون على قيد الحياة، سواء في الجزائر أو فرنسا”.

نحن الآن في سنة 1949، في مدينة العين الصفراء جنوب غرب الجزائر، زايد بوفلجة (صاحب الكتاب) تعرّف على راهبة تدعى كاترين، تشتغل في مستوصف بمدينة العين الصفراء، والتي أعجبته بتفانيها وإخلاصها في عملها الخيري، وصدق تعاملها مع السكان خاصة الفقراء.

وسرعان ما نسجت بينهما علاقات – قدّم المؤلف كثيرا من التفاصيل عنها – تطوّرت من الإعجاب إلى حبّ خفي، ولكنه صعب، إن لم يكن مستحيلا، ذلك أن الاشكالية، كما قال في كتابه «لا تتعلق بامرأة حرّة كباقي النساء، وإنما تتعلق براهبة…».

بعد أخذ ورد، وتلميحات، ولقاءات عابرة، يسرد تفاصيلها المؤلف، انتهى الأمر باستسلام كاترين لعواطفها الجياشة، ورغبتها في الانعتاق من قيود كبلها بها دينها. هكذا قرّرت الزواج من زايد بوفلجة، مع شرط التوجه إلى فرنسا لاستشارة عائلتها، بعد أن قبلت شرطه في اعتناق الدين الإسلامي.

وبعد مراسيم الزواج على الطريقة الاسلامية بحضور أربعة شهود، في سرية تامة حتى لا يكتشف أمرهما من السلطات الإدارية والدينية بالمدينة، وصلا أخيرا إلى باريس. وحينها أرسلت المرأة الشابة رسالتها الأولى لأبويها تطلب موافقتهما على الزواج، في حين وجهت رسالة ثانية إلى المؤسسة المسيحية للأخوات البيض، في الجزائر العاصمة، تطلب من خلالها، فكّ ارتباطها الديني من المؤسسة، باعتبارها مقبلة على الزواج الممنوع في عرف المؤسسة.

يستعرض زايد بوفلجة، موقف والدها الرافض رفضا قاطعا استقبال ابنته. وكما كان متوقعا رفضت المؤسسة الدينية التماس كاترين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تجنّدوا جميعهم مدعومين من طرف الحاكم العام للجزائر آنذاك، ووزير الداخلية الفرنسي للبحث عن الراهبة وإلقاء القبض عليها.

ذلك أن مكمن الفضيحة حسب اعتقادهم، كما كتب زايد بوفلجة يقول: «أن الراهبة لم تكتف – بجريمة – الزواج فقط الممنوع لدى الراهبات، بل تزوّجت مسلما ولم تتزوج مسيحيا». وهكذا اختطفت كاترين من طرف الشرطة الفرنسية في قلب باريس، في شهر جويلية 1949. ليتمّ تحويلها بعد ذلك، كعقاب لها فيما يبدو، نحو إرسالية دينية مسيحية، بعيدا، عبر أدغال افريقيا.

الكاتب: بوداود عمير

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى