غلبونا بالعلم

في وقت صار فيه معيار التقدّم والتخلّف يتحدد بحجم ميزانية البحث العلمي والتكنولوجي، وبعدد العلماء والباحثين الأكفاء العاملين، وبعدد مراكز البحوث والدراسات في الطبيعيات والتقنيات والإنسانيات والاجتماعيات، وبمستوى الأداء والمردود لدى الباحثين في مختلف العلوم النظرية والتطبيقية، وبمدى استثمار البحث العلمي في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من طرف السلطة الحاكمة، أصبحت أمم العالم تُعوّل على الجامعة وعلى مراكز البحوث والدراسات في مختلف التخصصات بدون استثناء.

وإن كانت الكفّة تميل في اتجاه العلوم الدقيقة والعلوم التجريبية والتكنولوجية، ففي دولة إسرائيل الغاصبة لأرض فلسطين القامعة للشعب الفلسطيني، الممثلة للإجرام في أعلى صوره والمروق عن الشرعية الأخلاقية والدينية والسياسية والقانونية، يجد هذا كيان كل الدعم والسند من أمريكا ومن غيرها من الدول التي تتوفر على لوازم التقدم العلمي والتكنولوجي، فلم تُفوّت فرصة الاستفادة من البحث العلمي للتمكين لها كدولة تمارس الاحتلال والقمع والاستبداد والمروق عن الشرعية، دولة غير مرغوب فيها، استطاعت أن تمتلك العلوم والتكنولوجيا وتكسب ثقة حلفائها تربط مصالحها بمصالح حلفائها وتؤمّن كيانها لتصبح أقوى دولة في المنطقة، تتمتع بالاستقلال والسيادة والتنمية.

أصبحت إسرائيل بحق النموذج العصري الذي أدّى فيه البحث العلمي دوره الرئيسي في نقلها إلى مصف البلدان المتقدمة وهي دولة فتية وناشئة، صارت البحوث والدراسات وسائر أنشطة البحث العلمي والتكنولوجي في الجامعات والمعاهد والمراكز الإسرائيلية من أقوى وأكثر البحوث عددا ونوعا في العالم، لامتلاك إسرائيل لوازم التقدم العلمي والتكنولوجي، تمثّل ذلك في احترام العلم والعلماء وتقدير البحث، وتوفير العدد الكافي من فرق ومخابر البحث المتخصصة والمتكاملة، وتشجيع هيئات التدريس الجامعية على الانخراط في البحث العلمي وإعداد وإجراء التجارب العلمية والتقنية وتخصيص ميزانية معتبرة تفي بأغراض البحث العلمي والتقني ومن غير انتقاص لأغراض إدارية أو تنظيمية، فهي تحتل المرتبة الرابعة في العالم في أنشطة البحث العلمي وتنشر أكثر من أربعين بحثا علميا معترف به دوليا.

لقد اهتمت دولة إسرائيل بالبحث والباحث فكفلت لهما المال الكافي وهامش الحرية البيداغوجية والأكاديمية الكافي، وتخلّت كليا عن كل مظاهر الفساد الإداري والبيروقراطية في فضاء البحث العلمي في الجامعة وخارج الجامعة، وعملت على نقل أيّة مبادرة بحثية علمية وتكنولوجية من البلدان المتقدمة، وحرصت على تشبيب وتجديد الطاقات البشرية الباحثة حتى لا يبقى البحث بين أيدي عناصر قديمة قد تضر بالبحث أكثر مما تنفعه، وتبنّت فلسفة تقوم على البراغماتية وسياسة تعزز التكوين المتواصل والتدريب المستمر في مجال البحث، وتقاطع منطق الإقصاء والتهميش، وتمنع هجرة الأدمغة، وتشجع العلماء والباحثين المتفوقين على الهجرة إلى إسرائيل.

الجدير بالذكر أنّ البحث العلمي في إسرائيل مثلما هو في أيّ دولة متقدمة محترمة له نفوذه السياسي، ودوره في رسم فلسفة نظام الحكم وسياسة الدولة واستراتيجيات البناء الاجتماعي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعسكريا وأمنيا، فالسلطة تتخذ قراراتها على ضوء نتائج البحوث والدراسات العلمية، لأنّ الإيمان راسخ بأنّ البحوث العلمية توفّر الجهد والوقت في إصابة الهدف المنشود، الأمر الذي أدّى إلى تزايد كبير في أعداد مراكز البحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية العامة والخاصة داخل إسرائيل والاشتغال مع مراكز أخرى خارج إسرائيل، وصار أمن دولة إسرائيل المحاطة بالأعداء من كل جهة بيد ما ينتجه البحث العلمي والتكنولوجي.

الكاتب: الدكتور جيلالي بوبكر

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى