لماذا يفضل الشباب الجزائري العمل التطوعي الحر؟!

انتشرت عبر الفيسبوك في الجزائر العديد من المجموعات والصفحات الموجهة إلى العمل التطوعي الحر ويزيد نشاطها في المناسبات الدينية مثل عيد الأضحى وعيد الفطر والمناسبات الاجتماعية أيضًا كالدخول المدرسي وبداية موسم الشتاء وغيرها.

وتشبه هذه الصفحات والمجموعات مقرّات الجمعيات الخيرية، أين يجتمع الأعضاء لمناقشة برامجهم المسطّرة بعد اختيارهم العمل التطوّعي الحر دون الانخراط في الجمعيات الخيرية المعتمدة التي تواجه الكثير من الاتهامات وعدم ثقة الناس بها أحيانًا.

متطوّعون ولسنا جمعية

يحرص بعض الشباب المتطوعين في مجال العمل الخيري على إبراز هويتهم كفريق “متطوع حر” ولا ينتمي إلى أي جمعية من أجل الحفاظ على مصداقيتهم. وتجنّب الوقوع في الخلط بينهم وبين الأعضاء المنخرطين في الجمعيات والذين يواجهون في حالات كثيرة تهمًا بالسرقة والاحتيال وعدم إيصال التبرّعات لأصحابها ومستحقيها والتلاعب بالميزانية التي يحصلون عليها من الدولة.

تُتّهم الجمعيات بالتلاعب كذلك في توزيع التبرّعات المالية والمساعدات على الأقارب والمعارف من غير مستحقيها الحقيقيين ممثلين في العائلات الفقيرة. وتعتبر أزمة الثقة هذه في الجمعيات الخيرية المؤسّسة والمعتمدة قانونيًا من قبل الدولة، امتدادًا لأزمة الثقة في السلطات العمومية.

وهي الأزمة التي خلقتها الفضائح المتكرّرة المتعلقة بالتلاعب في توزيع ما يعرف بـ”قفة رمضان”، وهي عبارة عن مواد غذائية توزعها السلطات المحلية على العائلات الفقيرة، بالإضافة إلى حوادث السرقة والنهب في صندوق الزكاة والتي تسجّل سنويًا في مناطق متفرقة من الوطن.

مقرّات فيسبوكية

كل هذا، جعل كثيرًا من الشباب لا يغامرون بالانخراط في الجمعيات ويفضّلون التوجّه للعمل الخيري الحرّ بعدما وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي فضاءً للتواصل بشكل فعّال وتنظيم أنشطتهم المناسباتية والدورية.

ويتّخذ الشباب من المجموعات والصفحات الفيسبوكية مقرّات لهم، أين يقومون بالتجمّع هناك والتحاور بخصوص النشاط الذي يجب تنظيمه وتحديد موعده والإعلان عنه عبر الصفحة، وكذلك فتح باب التبرّع وموعد الخروج لتنظيم النشاط؟

ولكسب الثقة أكثر يحرص الشباب على نقل صور توزيع التبرّعات والأنشطة التي يقومون بها على صفحاتهم وبيانات العائلات المحتاجة والمستفيدة أيضًا ونشر فيديوهات للتبرّعات التي تم تسليمها.

ومن الأنشطة التي يقوم بها الشباب المتطوّعون في الجزائر توفير اللوازم المدرسية للأطفال أثناء الدخول المدرسي وكباش العيد في عيد الأضحى بالإضافة إلى ملابس العيد للمحتاجين، الأغذية والأفرشة وأجهزة التدفئة في فصل الشتاء. ينظّم الشباب أيضًا زيارات إلى دور العجزة والمسنين وإلى مراكز الطفولة المسعفة وذوي الاحتياجات الخاصّة.

العمل التطوعي الحر

يحرص المتطوّعون على التمسّك بالتطوّع الحر وعدم تحويل فرقهم إلى جمعيات معتمدة. هنا يقول أسامة رمضان في حديث إلى “جيل” عن انضمامه إلى فريق العمل الخيري: “الجمعيات الخيرية عبارة عن تجارة مربحة لأصحابها ولهذا أرفض أن أحوّل فريقي إلى جمعية رغم محاولة العديد من الانتهازيين دفعي إلى ذلك”.

ويضيف الشاب الذي يسيّر فريق “ناس الخير” في مدينة البليدة، وسط الجزائر: “نحن في الميدان منذ 2010، وفي كل مرّة نحرص على نشر الصور والفيديوهات للأنشطة التي نقوم بها وكسبنا ثقة الجميع في مدينتنا، الناس والمؤسّسات والشركات التي تتبرّع لنا”.

وعن كيفية كسب الفريق لهذه الثقة يتحدّث أسامة: “القرب من الناس والتعامل المستمرّ معهم بشكل نزيه ونظيف يخلق علاقة ثقة ووفاء في التعاون، كل الأحداث التي ننظمها ترعاها المؤسّسات التي أصبحت متعاملًا وفيًا معنا”.

الحرّية محفز للشباب

يثير العمل الخيري التطوّعي الحرّ اهتمام الشباب للعديد من المزايا التي يوفّرها له بعيدًا عن بيروقراطية الإدارة داخل الجمعيات، حيث يجد الشباب المتطوّع الحرية في العمل التطوّعي. وتحت إشراف مسير واحد للفريق الذي لا يلزم الشباب الأعضاء بأي شيء سوى تقديم ما يمكنهم تقديمه.

والذين يبدؤون في العادة كمتبرّعين يقدمون للفريق بعض الأفرشة والأغطية والمواد الغذائية أو مبالغ مالية من أجل توزيعها للفقراء. بعد ذلك يتحولون إلى أعضاء ناشطين في الفريق. وحول هذا الأمر يتحدث أسامة: “نقوم بدعوة المتبرّع إلى الخروج معنا لتوزيع ما قدمه بنفسه إذا كان برنامجه يسمح بذلك، والعديد منهم يتحوّل بعد ذلك إلى متطوّع معنا”.

ولا يحتاج الانخراط في الفريق إلى أي وثائق أو حضور إجباري عكس الجمعيات التي تفرض ملف الانخراط للأعضاء وإجبارية حضور الاجتماعات واللقاءات المبرمجة.

من المميزات أيضًا أن الفريق لا ينتظر أبدًا ميزانية الدعم من الدولة التي تسعى الجمعيات للحصول عليها وتثار الشكوك بشأن التلاعب بها واقتسامها، فالفريق يبحث عن الدعم وسط المتبرّعين من عامة الناس.

العمل التطوعي لا حدود له

تعمل الفرق في حالات أخرى على ربط المتبرّعين بالمحتاجين، وفي هذا الشأن تتحدّث نريمان عباد لموقع “جيل”: “أعمل رفقة مجموعة من الأصدقاء كمتطوّعين، لا نستلم أيّ تبرعات مالية أو مستلزمات، نحن نقوم فقط بربط المتطوّعين بالمحتاجين”.

وتوضح الشابة أكثر: “نجمع معلومات حول العائلات الفقيرة والمحتاجة وعدد أفرادها والمرضى وغيرها، وعندما يتواصل معنا المتبرعون نقوم بتوجيههم إليهم ليقدمون ما يستطيعون بأنفسهم، الكثير من المتبرّعين لا يجدون لمن يقدمون دعمهم، يكفي فقط أن نوجههم”.

وتعتبر نريمان أنه لا حدود للتطوع الحرّ الذي أصبح هو الآخر مجالًا للإبداع يمنحها الحرية والمصداقية ولا يضعها تحت سلطة أو ضغط أحد، وأفضل بكثير من الانخراط في الجمعيات التي تلتزم، حسب رأيها، ببرنامج مسطر وتقليدي.

ومن بين الفرق التي تتطوّع للعمل الخيري الحرّ، والتي تمكنّت من فرض نفسها في الجزائر مجموعة “أونلي دي زاد”، تضم عدة متطوعين من العاصمة وولاية بومرداس وتنشط في هذا المجال منذ سنة 2013.

نظمت العديد من المبادرات والحملات الخيرية لمساعدة المحتاجين والمعوزين في المناطق الجبلية والنائية. ويقول محمد داود، أحد أعضاء الفريق: “نحن لا ننتمي لأي جمعية ونعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل التواصل والتنسيق فيما بيننا بخصوص برمجة المبادرات الخيرية”.

ويواجه الشباب الذي يفضل العمل التطوعي في فرق ومجموعات حرّة لا تنتمي إلى الجمعيات صعوبات في تنظيم الأحداث والجولات وبرمجة الزيارات إلى المؤسّسات العمومية مثل دور المسنين والطفولة المسعفة وغيرها. وذلك لأنها تشترط الحصول على ترخيص وتصريح بوصل تأسيس واعتماد كجمعية، إلا أنهم يتمسكون بالاستمرار في العمل كفرق حرة واللجوء إلى المتبرّعين من موظفين، تجار، مؤسّسات خاصة صناعية وتجارية، ورجال أعمال، وكل من تربطهم بهم علاقة ثقة وتعاون سابق.

المصدر: العربي الجديد

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى