التعالم .. المرض الذي فتك بالجامعة الجزائرية

والحقيقة أننا منذ خمسين عاما نعرف مرضا واحدا يمكن علاجه هو الجهل والأمية، ولكننا اليوم أصبحنا نرى مرضا جديدا مستعصيا هو ( التعالم ). وإن شئت فقل الحرفية في التعلم. والصعوبة كل الصعوبة في مداواته. وهكدا أتيح لجيلنا أن يشهد خلال النصف الأخير من هذا القرن، ظهور نموذجين من الأفراد في مجتمعنا: حامل المرقعات في الأطمار البالية، وحامل اللافتات العلمية.

فإذا كنا ندرك بسهولة كيف نداوي المريض الأول، فإن مداواتنا للمريض الثاني لا سبيل إليها، لأن عقل هذا المريض لم يقتن العلم ليصيره ضميرا فعالا، بل ليجعله آلة للعيش وسلما يصعد به منصة البرلمان. وهكذا يصبح العلم مسخا وعملة زائفة غير قابلة للصرف. وهذا النوع من الجهل أدهى وأمر من الجهل المطلق. لأنه جهل حجرته الحروف الأبجدية وجاهل هذا النوع لا يقوم الأشياء بمعانيها، ولا يفهم الكلمات بمراميها، وانما بحسب حروفها، فهي تتساوى إذا ما تساوت حروفها، وكلمة (لا) تساوي عنده (نعم) لو احتمل أن حروف الكلمتين متساوية.

وكلام هذا المتعالم لپس (كتهتهة) الصبي فيها (صبيانية) وبراءة، فهو ليس متدرجا في طريق التعلم كالصبي، وإنما تتمثل في (تهتهته) تلك شيخوخة وداء، فهو الصبي المزمن.

فلا بد من إزالة هذا المريض ليصفو الجو للطالب العاقل الجاد. وعليه فإن مشكلة الثقافة لا تخص طبقة دون آخری، بل تخص مجتمعنا كله بمن فيه المتعلم والصبي الذي لم يبلغ مرحلة التعلم؛ إنها تشمل المجتمع كله من أعلاء إلى أسفله إن بقي علو في مجتمع فقد حاسة العلو، فأصبحت هذه الحاسة عنده أفقية زاحفة راقدة.

المصدر: مالك بن نبي، من كتاب مشكلة الثقافة، الصفحة 75/ 76.

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى