أول رواية في تاريخ الإنسانية كتبها جزائري

أصبحت الرواية في العصر الحالي من الفنون الأدبية الأكثر انتشارا، تحظى باهتمام بالغ من قبل القراء.  وتحول كتابها إلى مشاهير يظهرون في وسائل الإعلام والمناسبات الأدبية ويتنافسون للفوز بالجوائز الإقليمية والعالمية للرواية، لكن هل تعرف أن أول رواية في تاريخ الإنسانية كتبها جزائري نشأ في مدينة مداوروش قرب سوق أهراس؟

تصنف رواية “الحمار الذهبي” كأول نص روائي كامل في تاريخ الإنسانية، كتبها الجزائري “أبوليوس”، وتذكر الكتب بعض النصوص الروائية التي سبقت “الحمار الذهبي” ولكنها وصلت ناقصة. وكانت رواية “أبوليوس” هي الإنطلاقة الحقيقية لظهور الرواية الأمازيغية. أطلقت على رواية “الحمار الذهبي” تسميات عدة من بينها: المسوخ ، التحولات، تحولات الجحش الذهبي وغيرها. قام العديد من الكتاب بترجمة الرواية، حيث ترجمها من اللاتينية عمار جلاصي وأبو العيد دودو، وترجمها عن الإنجليزية علي فهمي خشيم.

 كاتب أمازيغي

ولد أبوليوس الأمازيغي في أوائل القرن الثاني حوالي 125م وتوفي حوالي 170م. نشأ في أسرة أرستقراطية في مدينة مـداوروش بالجزائر قرب سوق هراس. كان والده أحد الحاكمين الاثنين في أوائل القرن الثاني في هذه المنطقة، وكان أبوليوس أشهر كتاب وشعراء هذا العهد. درس بقرطاج، حيث أخذ من كل الفنون بطرف ونبغ فيها وتخصص في المسرح ونبغ فيه إذ كان القرطاجيون يهتفون به في المسرح.

تابع أبوليوس دراساته العليا في اليونان (أثينا) وإيطاليا وآسيا الصغرى. أعجب بالفلسفة الأفلاطونية والفلسفات ذات الطبيعة الصوفية الروحانية. عاد إلى الجزائر ثم توجه إلى قرطاج لممارسة العلم وتلقين الدروس لطلبة الثقافة والأدب، فأصبح قبلة الأنظار في هذه المدينة، والمحاضر المحبوب الذي يعالج جميع المواضيع وخاصة الفلسفية منها.

وكان يعتز بثقافته الإفريقية وهويته الأمازيغية “لم يتملكني في يوم من الأيام أي نوع من الشعور بالخجل من هويتي ومن وطني” . صنفه بعض الباحثين ضمن قائمة الأدباء اللاتينيين، على غرار إميـل فاگيـه الذي قال عنه: “أما أبوليوس في روايته “الحمار الذهبي”، فلا يعدو أن يكون روائيا هوائيا بالغ التعقيد شغوفا بكل شيء، وخاصة بالأشياء الفريدة في نوعها قويا مليا وصوفيا في ساعاته، وجماع القول: إنه مربك جدا”.

جعل محمد حندايـن أبوليوس مثالا للشخصية الأمازيغية القوية في الأدب العالمي القديم الذي تعلم كثيرا من اللغات وألف كتبا عديدة أشهرها روايته “الحمار الذهبي” التي تعتبر أول نص روائي في العالم. من جهته يعتبره الكاتب الليبي الدكتور علي فهمي خشيم حينما اعتبر أبوليوس كاتبا إفريقيا أمازيغيا وعروبيا، كان ينتقل بين الجزائر وقرطاج وليبيا، واعتبر “الحمار الذهبي” أول نص روائي.

كان أبوليوس كاتبا مرموقا في عصره بين أدباء الثقافة العالمية، وأصبح صاحب أول رواية في تاريخ الإنسانية حيث نافس اللاتينيين والرومانيين واليونانيين على الرغم من تأثره بهم خلقا وتناصا ولاسيما في روايته “الحمار الذهبي” الفانطاستيكية التي ألفها في أحد عشر جزءا، وبها وضعه تاريخ الفكر في مصاف كبار الكتاب العالميين الخالدين.

مسخ الانسان إلى حيوان

يتحدث أبوليوس في النص الروائي عن مسخ الإنسان إلى حيوان ثم عودته الى حالته الأولى في أواخر القرن الأول بعد الميلاد أي حوالي سنة 170 م في قرطاج، وراوي هذه القصة هو لوسيــان حيث حوّل البطل لوكسيوس إلى حمار الذي سيعود إلى صورته الآدمية الأولى بعد مغامرات عديدة تتخللها قصص جزئية متداخلة، تضمينا وتشويقا وتوليدا كقصة “بسيشـية وكوبيـدون” الرائعة في أبعادها الفاطاستيكية والأخلاقية.

يتوجه شاب، يدعى لوكيوس، من مدينة كورنث، لأسباب عائلية إلى مدينة هيباتا بمقاطعة تيساليا، فيلتقي في طريقه إليها بمسافرين، سمع من أحدهما حكاية بشعة، ولكنها مثيرة عن الأعمال السحرية، حركت فضوله. وعندما وصل مدينة هيباتا، نزل ضيفا على غني بخيل يدعى ميلو، والتقى في المدينة بقريبة لأمه اسمها بيرهينا، حذرته من الأعمال السحرية، التي تمارسها بامفيلا، زوجة مضيفه ميلو، وعرضت أن يقيم عندها تجنبا لما قد يناله بسببها من متاعب، ولكنه رفض عرضها حتى لا يجرح شعور مضيفه البخيل، وزاد هذا التحذير من فضوله ومن رغبته في التعرف على هذه القوى السحرية الغامضة، وأخذ يتقرب، لبلوغ هذا الغرض من فوتيس خادمة بامفيلا.

في يوم من الأيام ألح على فوتيس أن تمكنه من رؤية سيدتها وهي تمارس أعمالها السحرية، فوعدته بتحقيق رغبته في وقت قريب، ووفت بما وعدته فعلا، فقادته إلى مكان خفي، أستطاعا منه أن يلاحظا معا كيف أخذت بامفيلا مرهما من إحدى العلب ودهنت به جسمها، فتحولت إلى بومة وطارت مبتعدة عن بيتها، عندها ملك الفضول عليه نفسه، فرغب أن يعيش هو نفسه تجربة التحول، فألح على الخادمة أن تستجيب لرغبته، فلم تمانع في ذلك، وحين أحضرت له المرهم المطلوب، أخطأت في تناول العلبة المناسبة، فكانت نتيجة ذلك أن تحول لوكيوس بعد دهن جسده به إلى حمار وأخذ يتصف بجميع صفاته الظاهرة باستثناء عقله.

الحمار الذهبي.. رواية خارقة

تعتبر أول رواية في تاريخ الإنسانية رواية الحمار الذهبي، وتملك طابعا ملحميا وفانطاستيكيا غريبا، حيث تعتمد على فكرة المسخ وتحويل الكائن البشري إلى حيوانات أو أشياء على غرار الإبداعات اليونانية. إذ يتحول لوكسيوس في هذه الرواية إلى حمار بسبب خطأ حبيبته فوتيس التي كان يحبها لوكيوس كثيرا حينما ناولته مادة دهنية هي ملك سيدتها بامفيلا زوجة ميلون التي تمارس السحر في غرفتها السرية، وبهذه المادة يتحول الكائن البشري إلى أنواع من الطيور والكائنات الخارقة التي تجمع بين الغرابة والتعجيب. وعندما سمع لوكيوس الشاب أسرار سحر هذه المرأة دفعه تطفله وفضوله إلى أن يأمر فوتيس بجلب دهن الساحرة ليجربه قصد التحول إلى طائر لينأى عن الناس ويهاجر حيال عالم المثل بعيدا عن عالم الفساد والانحطاط البشري. بيد أن فوتيس جلبت له مادة دهنية سامة تحوّل الإنسان إلى حمار. وبعد مغامرات صعبة ذاق فيها لوكيوس أنواعا من العذاب والهلاك وعرف عبرها مكائد البشر وحيلهم يعود إلى حالته الآدمية الإنسانية بعد أن تدخلت الآلهة إيزيس لتجعله راهبا متعبدا وخادما وفيا لها.

ومن القصص الدخيلة الهامة في الرواية قصة الفاتنة “بيسيشية” وحب الإله “كوبيـدون” لها، ثم هيامها به، وتعرضها لكثير من المحن في سبيل ارتقائها إلى مرتبة الخلود وهي تشغل في القصة جزءا من الكتاب الرابع ثم الكتاب الخامس وجزءا من السادس، وقد اتخذت فيما بعد رمزا للحب الإلهي وارتقائه بالنفس الى مرتبة الخلود. ويعتبر “الحمار الذهبي” نصا سرديا خارقا.

نقد ساخر للمجتمع الروماني

تعتبر رواية “الحمار الذهبي” قراءة نقدية ساخرة للمجتمع الروماني على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. وتتجاوز هذه القراءة “الوعي البشري، وتنقب داخل المخبأ وداخل اللاوعي، وينبغي قراءة الحمار الذهبي قراءة متأنية في سياق انهيار العقل واضمحلال المركزية الرومانية وتفككها بحيث لم تعد روما هي معبد الثقافة ولكنها انسحبت أو بدأت تفعل ذلك تاركة مكانها لمناطق أخرى مثل أثينا.

تبدو الرواية في رحلتها الفانطاستيكية نصا واقعيا ساخرا ينتقد العقل الظلامي ويسفه سلوكيات السحرة وأباطرة القضاء الروماني الذين اتهموا “لوكيوس” بالسحر والشعوذة، ومن هنا فالرواية إعلان لانهيار الإمبراطورية الرومانية وإفلاسها أخلاقيا. وتتضمن رواية أبوليوس فكرة المسخ لدى الإنسان القديم المرتبطة بفكرة عقاب الآلهة، فهي تنزله على من هم أكثر بعدا عن الروح الإلهية، وأكثر قربا من الحياة الحيوانية البئيسة .

ومن خصائص رواية الحمار الذهبي أنها رواية عجائبية غرائبية يتداخل فيها الواقع مع الخيال، والسحر مع العقل، والوعي واللاوعي. ويتبنى فيها الكاتب المنظور الذاتي والرؤية الداخلية وضمير المتكلم مع استخدام تقنية التوليد القصصي أو ما يسمى بالتضمين القصصي دون أن ننسى روعة الوصف وبراعة الأسلوب والإكثار من الإحالات والمستنسخات التناصية وتشغيل الخطابات الدينية والأدبية والفلسفية والصوفية والعجائبية والأسطورية.

إقرأ أيضا: كتبت رواية واحدة في حياتها جعلتها أشهر روائية في أمريكا

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

زر الذهاب إلى الأعلى