أعترف: خدعت الأستاذ وحصلت على علامة جيدة وماذا بعد؟

الغش هو هروب بائس من مواجهة الامتحان، إنه الحل الفاشل لأصحاب الإرادة الضعيفة وما أكثرهم. أذكر جيدا أول محاولة للغش قمت بها. كنت طالبة في السنة الثانية ثانوي، وبصدد اجتياز فرض في اللغة العربية، ومن بين الأسئلة التي مازلت أذكرها جيدا، اعراب ما تحته خط في البيت الشعري القائل: “رب قوم رسول الله قائدهم…”.

لم أكن ضعيفة في الاعراب ولكني كنت أكره أفعال المدح والذم كثيرا. أثناء الامتحان تذكرت أني أملك ورقة محاولات كتبت فيها إعراب هذا البيت الشعري كاملا، كم كانت صدفة جيدة أن يكون نفس البيت الشعري في الفرض، ان ذلك يمكن أن ينقذني. قمت بإخراج الورقة من محفظتي ووضعتها بسرعة تحت الطاولة، وبدأت في نقل الإجابة على ورقة الفرض. نجحت في عملية الغش دون أن ينتبه أستاذ المادة.

شعرت بفرحة كبيرة لأني نجحت في خداع الأستاذ وتخلصت من الخوف الشديد الذي تملكني وأنا أتساءل: ماذا لو أمسكني الأستاذ متلبسة بالجريمة؟.  نسيت الحادثة تماما، وبعد أيام فقط أحضر الأستاذ تصحيح أوراقنا ومنحنا العلامات. حصلت على علامة 16 من 20، في تلك اللحظة نظرت إلى تلك الورقة ولم أشعر بأي فرحة أبدا، بالعكس تماما كانت علامة بلا معنى، وتساءلت: ما معنى أن تحصل على علامة 16 من 20 أو حتى لو حصلت على العلامة الكاملة؟ هذه العلامة ليست لي، فلا يمكن أن أكون فخورة بها وبما فعلته في الحقيقة “لقد سرقتها”.

عندما تتعود أن تحصل على ما تستحق فقط، وأن تجني على قدر تعبك وجهدك فإنك لن ترض أن تأخذ ما ليس لك، وأنا لم أكن أستطيع أخذ ما ليس لي، لكن كيف سأفعل ذلك؟ ترددت قليلا ولكن بعدها قررت أن أعترف بأني خدعت الأستاذ وقمت بعملية غش، حاولت صديقاتي منعي من الإعتراف خوفا من العواقب التي يمكن أن أتعرض إليها ولكني تشجعت وأخذت ورقتي وذهبت إلى الأستاذ في مكتبه.

وقفت أمامه وقلت له بخجل أني حصلت على إجابة الإعراب عن طريق الغش. لم ينفعل الأستاذ كما توقعت ولم يؤنبني أيضا، نظرا مبتسما وقال لي: ألم أقل لكم بأن الغش ليس أمرا جيدا أبدا. أظنه كان يقصد أن فشلنا في الغش سيجعلنا نخسر احترام الآخرين والعلامة ونجاحنا في عملية الغش يجعلنا نتألم أيضا بتأنيب الضمير لأننا سرقنا علامة جيدة.

الشيء الذي أعجبني جدا في موقف الأستاذ أنه لم يعاتبني ولكن ما أعجبني أكثر أنه لم يسامحني أيضا فقط لأني اعترفت، حيث قام بحدف علامة الإعراب وإنقاصها من العلامة الإجمالية. لم أشعر بالخيبة أبدا بل عدت إلى مكاني سعيدة جدا لأني تخلصت من شيء ليس لي.

لا يكفي أن تتوقف عن ارتكاب الخطىء والقيام بالغش، أحيانا تحتاج إلى الجرأة للإعتراف به أما الصرار على تكراره فهو سذاجة حقيقية. الغش وخداع المعلمين ليس بالإنجاز الذي نفتخر به، والأمة التي يتفشى فيها هذا الفعل هي أمة مريضة أساس بنيانها ضعيف يمكن أن ينهار في أي يوم، لأن أفرادها غير أكفاء، فالطبيب ليس طبيبا، المهندس ليس مهندسا، المحامي ليس محاميا والتاجر ليس تاجرا.

الأمانة والصدق هما أسس بناء المجتمعات الراقية والحضارية، لذا على كل انسان أن يكون صادقا في كل تعاملاته، صادقا في طلب العلم، صادقا في الاعتراف بالخطأ. يقول المثل: من يخطأ فهو انسان و من يصر على خطأه فهو شيطان. الاعتراف بالخطأ في حد ذاته شجاعة لا يتحلى بها إلا أصحاب القلوب القوية، فأنا إعترفت مرتين، مرة أمام الأستاذ في المدرسة ومرة أخرى هنا أمامكم ولا أشعر بسوء في ذلك بالعكس فخورة بما فعلت. كل ما علينا فعله أن نتقبل أخطاءنا مهما كانت صغيرة ونتعامل معها على أنها درس في الحياة و ا يهمنا رأي من حولنا ما دمنا نسعى لفعل ماهو صحيح وما نراه نحن مناسبا لنا.

الكاتب: أسماء زبار

شارِكنا رأيك بتعليق!

(التعليقات)

المصدر
سوبرنوفا
زر الذهاب إلى الأعلى