التلوث أخطر مما نعتقد على مستقبل الكرة الأرضية
تحظى أخطار التلوث على صحة الإنسان وحياته باهتمام متزايد من قبل الباحثين والمنظمات والمجتمع المدني بصفة عامة في مختلف دول العالم.
يبدو أن هذا الأخير أخطر مما نعتقدن حيث قدر عدد الوفيات الناجمة عن التلوث بـ 9 ملايين وفاة عام 2015. أي ما يعادل 15 ضعف أعداد وفيات الحروب وغيرها من أشكال العنف، وفقا للإحصائيات.
وأصدرت لجنة “لانسيت” في الثلث الأخير من سنة 2017، تقريرا شارك في إعداده 40 باحث في مجال الصحة والبيئة، يؤكد أن واحدا من كل 6 وفيات مبكرة في جميع أنحاء تحدث بسبب “التلوث” الذي يتمركز 92% منه في بلدان العالم الثالث.
حرق الوقود القاتل، التلوث الأسوأ
تتحمل الهند وحدها نسبة عالية من هذه الوفيات، قدرت بوفاة 2.5 مليون شخص بسبب التلوث في عام 2015، تليها الصين بنحو 1.8 مليون شخص، وتستقطب هذه البلدان أشكال التلوث الأكثر حداثة، مثل احتراق الوقود الأحفوري والمواد الكيميائية.
ويعتبر تقرير “لانسيت” أن تلوث الهواء الناجم عن حرق أنواع مختلفة من الوقود، القاتل الأسوأ، حيث تكمن مخاطره في الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب، بما في ذلك سرطان الرئة الذي يمكن أن يتطور عند التعرض المستمر للتلوث على المدى الطويل.
ونقلت وكالة “رويترز” عن كارتي سانديليا، أحد المؤلفين والمستشارين للمجموعة البيئية Pure Earth، ما يلي: “إن العولمة والتعدين والصناعة التحويلية تتحول إلى البلدان الأكثر فقر، أين توجد الأنظمة البيئية المتدنية، كما أن عمال البناء في نيودلهي أكثر عرضة لتلوث الهواء وأقل قدرة على حماية أنفسهم من التلوث الحاصل”.
ويشير التقرير إلى أن الضرر الناجم عن التلوث لا يُقاس بصحة الناس وحياتهم فقط، وإنما بالتكلفة النقدية في خسائر الرعاية الاجتماعية التي وصلت إلى مبلغ 4.6 تريليون دولار سنويا، أي ما يعادل 6.2% من الناتج الاقتصادي العالمي.
التلوث بارتفاع غاز الكاربون يهدد البشرية
قال علماء “Global Carbon Project” في تقريرهم الجديد الذي صدر في نوفمبر 2017 أن مستوى ثاني أوكسيد الكربون قد ارتفع في الغلاف الجوي للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، ما يعيق تحقيق الهدف الرئيس لاتفاقية باريس في الحد من الارتفاع الحراري العالمي.
وأكد الباحثون أن هذه بيانات محبطة، لكن الأمل لا يزال موجودا في التمكن من تحقيق اسقرار في النظام المناخي. سكان الولايات المتحدة مثلا، وبعض الشركات الخاصة لم يتخلوا عن التقنية “الخضراء” في الإنتاج، بالرغم من أن الحكومة هناك أوقفت كل الدعم والميزات المشجعة لاستخدام تقنية نظيفة بيئيا. إلا أن دول العالم الثالث مازالت غير قادرة على التصدي لهذا الخطر.
وتقوم منظمة Global Carbon Project التي تضم عشرات من كبار علماء المناخ في العالم، بإعداد ونشر تقارير سنوية عن الكمية الإجمالية لثاني أوكسيد الكربون، وغيره من الغازات الدفيئة المنبعثة من كل بلدان العالم. وتشمل التقارير أيضا، بيانات مفصلة عن هيكلية وديناميكية الانبعاثات الغازية لكل دولة، وتوقعات للمستقبل في هذا المجال.
وذكرت التقارير الأولى التي نشرتها المنظمة عام 2010، أن الانبعاثات الغازية الكربونية ارتفعت بوتيرة عالية جدا، إلا أنها، وفي عام 2013، توقفت عند حد 36 مليار طن. يعود هذا الانخفاض منذ العام 2013 إلى انتقال الولايات المتحدة وألمانيا والصين ودول أوروبية أخرى، إلى استخدام تكنولوجيا أكثر كفاءة في استغلال الطاقة، وأقل ضررا للبيئة، كما بدأت بالامتناع تدريجيا عن استخدام الفحم في المصانع. كل ذلك أبقى الأمل في تحقيق أهداف اتفاقية باريس.
تحدي سحب غاز الكاربون من الهواء
غير أنه لم يتحقق ما أراده الخبراء وما تأملوا به من نتائج تقارير عام 2013 المشجعة، فقد ارتفع معدل انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون من جديد سنة 2017، وبلغت نسبة الارتفاع في تقرير هذا العام 3%، وسيصل حجم الغازات الناتجة عن المخلفات الصناعية حسب التقرير إلى 41 مليار طن.
كما يلاحظ العلماء أن ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي وصل إلى حد الخطر، بحسب توقعات خبراء “IPCC” التابع للأمم المتحدة، وإذا استمر الوضع على هذا المنوال، سترتفع حرارة الأرض من 2 إلى 4 درجات مئوية بحلول نهاية هذا القرن.
وبرأي خبراء “Global Carbon Project”، لم يتبق للبشرية أي فرصة، حتى لو تم تخفيض انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون بشكل بسيط، في الحد من الاحتباس الحراري. ولهذا السبب يرى العلماء ضرورة البدء في تطوير تكنولوجيا جديدة تسمح بسحب غاز ثاني أوكسيد الكربون من الهواء، وتخزينه تحت الأرض، أو تحييده بأي طريقة أخرى لحماية البشرية من الدمار.
إقرأ أيضا: إكتشاف تقنية للحد من التلوث البحري بفضل باحثة جزائرية