شاب جزائري يوثق أنواع الطيور المهاجرة في الجزائر
إستطاع شاب جزائري ينحدر من ولاية سكيكدة، المصور يوسف كريط صاحب 31 سنة، أن يوثق بعدسة كاميرته 270 نوعا من الطيور المهاجرة والمستوطنة لولاية سكيكدة وباقي ولايات الوطن. وهو عدد كبير مقارنة بالعدد الإجمالي لأصناف الطيور المتواجدة في الجزائر، والذي يقارب 370 نوعا.
بدأ يوسف رحلته كمصور للحياة البرية سنة 2018، أين دفع به شغفه وحبه للطيور والحياة البرية إلى إقتناء أولى كاميراته. والتي تميزت بالبساطة إلا أنها كانت كافية ليمارس هوايته المفضلة. بعد إقتنائه أولى كاميراته انطلق يوسف كـ شاب جزائري في تعلم أساسيات التصوير وتقنياته بدار الثقافة محمد سيراج بولايةسكيكدة. وذلك تحت إشراف الأستاذ القدير خيضر أوهاب.
ومالبث قليلا حتى طور من نفسه ومن مهارته عن طريق التعلم الذاتي، والإحتكاك بزملائه الذين جمعهم بيوسف نفس الهدف ونفس الشغف. وفي هذا الصدد يقول يوسف كريط “كما نعلم كلما نلتقط صور أكثر كلما نتعلم أفضل، وطبعا نتعلم من بعضنا البعض”.
يوسف كريط ورحلة توثيق الحياة البرية
ولأن يوسف من هواة التخييم ومحبي الطبيعة، فقد تخصص مباشرة في تصوير الحياة البرية، وإنطلق في مجال التصوير بمعدات بسيطة، قبل أن يقتني معدات مقبولة تمكنه من توثيق حياة البرية والطيور بمختلف أنواعها.
خبرة المصور يوسف كريط وتجربته التي بدأت منذ ثلاث سنوات، جعلته خبيرا في الطيور وأصنافها، حيث يمكنه أن يعرف نوع الطائر من صوته وطريقة طيران. حب يوسف للطبيعة ورسالة التصوير النبيلة، دفعا به إلى خوض الغمار وتوثيق الحياة الطبيعية بالطريقة التي يحبها.
يصف لنا يوسف كريط شعوره وهو يحمل كاميرته، ويتوغل في أدغال الغابات والأحراش فيقول: “أكيد لحظة إلتقاط صور الطيور تعد لحظة ليست كباقي اللحظات، أين تغمرك سعادة كبيرة عند الحصول على لقطات لطالما أردت إلتقاطها كما تخيلتها. أحيانا يصبح شعورا لا يوصف”.
تمكن يوسف من توثيق تواجد طائر الصرد أحمر الذيل أو الصرد التركستاني، لأول مرة في شمال غرب إفريقيا وبالتحديد في الجزائر. وذلك شهر أكتوبر من العام الماضي حين كان في خرجة تصوير بولاية سكيكدة.ويعتبر طائر الصرد التركستاني من الطيور المهاجرة والنادرة في الشمال الإفريقي. وذلك كونه يستوطن جنوب سيبيريا وأسيا الوسطى ويتكاثر فيهما. وفي فصل الشتاء يهاجر إلى دول شرق إفريقيا ووسطها كالصومال وإثيوبيا وكينيا والنيجر وتشاد. وإلى دول جنوب غرب أسيا كاليمن وعمان والإمارات وقطر. ويعرف لطائر الصرد عرقين يعتبران في بعض الأحيان نوعين منفصلين.
ماهي الوسائل اللازمة لخوض رحلة تصوير الحياة البرية؟
يجيبنا يوسف كريط عن سؤالنا هذا، ويؤكد لنا على أهمية لباس التخفي الذي يكون لونه من ألوان الطبيعة، بهدف تخفي المصور وإندماجه مع الوسط الأخضر المحيط به وبالعنصر المستهدف،أين يتماهى مع الطبيعة ويظهر كعنصر من عناصرها.
يتخذ المصور لباس التخفي كعنصر مهم في عملية التصوير، لكي يضمن بقاء الطائر أو الحيوان المراد تصويره، ولا يخيفه ويهرب منه ومن عدسة الكاميرا. ويتطلب على المصور إمتلاك أدوات تصوير تناسب هدفه من العملية، كالحامل الثلاثي (Trépied) الذي تثبت عليه الكاميرا، من أجل الحصول على صورة ثابتة وواضحة خالية من التشويش. بالإضافة إلى ضرورة توفر عدسة الزوم ذات بعد بؤري مناسب (ينحصر ما بين 300 مم و 600 مم)، من أجل إلتقاط الصور من مسافة بعيدة. وللحفاظ على هدوء المكان وسكينته، ومن أجل الحفاظ على حياة المصور كذلك خاصة إذا تعلق الأمر بتصوير الحيوانات المفترسة والعدوانية. وتعد علامة نيكون الأنسب لهذا النوع من التصوير، كونها تتميز بجودة تصوير عالية وتركيز قوي (focus )، يوفر عزل عالي للعنصر وخلفية ضبابية مناسبة. ويبقى الأهم من علامة الكاميرا هو سرعة الغالق في إلتقاط الصور.
إلى جانب المعدات والوسائل اللازمة لتصوير الحياة البرية، هناك مهارات أيضا يتطلبها هذا النوع من التصوير، أبرزها مهارة التخفي الجيد في الأحراش والمستنقعات والغابات. وذلك لأن التخفي الجيد يضمن هدوء المكان وبقاء الهدف في راحة وسكينة. وبالتالي يضمن المصور صور جيدة وإحترافية، فكما هو معروف أن الطيور على وجه الخصوص تمتلك حاسة سمع قوية جدا، تمكنها من الشعور بكل حركة حولها، زيادة على قوة البصر الخارقة والتي تسمح لها برؤية أي حركة أو خطر يداهمها.
منطقة صنهاجة مسكن الطيور وملاذ المصور الشاب
ينشط المصور الشاب وموثق حياة البرية والطيور، في منطقة صنهاجة شرق ولاية سكيكدة. والتي تمتد على طول أربع بلديات بالولاية، والمصنفة كمنطقة رطبة ومحمية عالمية بموجب إتفاقية “رامسار” تحت رقم 10 -56 المؤرخ في 02|02|2001.
تقع منطقة صنهاجة بين بلدية بن عزوز وبلدية جندل محمد سعد. وتحتوي على 09 بحيرات تتربع على مساحة 2580 هكتار من المساحة الإجمالية المقدرة ب 42100 هكتار، وقد ساعدت هذه المساحة الشاسعة والبحيرات الواسعة، على تنوع الثروة النباتية والحيوانيةخاصة الطيور بمختلف أنواعها، والتي إتخذت من المنطقة موطنا ومهجرا لها.
إضافة إلى المساحة الواسعة وتعدد البحيرات والمستنقعات، فإن منطقة صنهاجة تضم مختلف أنواع الطيور المهاجرة والنادرة طوال الفصول الأربعة، أين يستوطنها مايقارب 280 نوع من الطيور، على غرار النعام الوردي (طائر الفلامنجو) والكركري والقيق الأوراسي والقرقف والهدهد وغيرها من الطيور المميزة والجميلة، فالمنطقة تتوفر على كل العوامل المهيأة والمناسبة لتكاثر الطيور وعيشها في سلام وأمان.
التصوير رسالة نبيلة والمصور صديق الطيور والطبيعة
إن التصوير الفوتوغرافي ليس فن وهواية فقط، أو عبث وترفيه لتمضية الوقت وقتل الفراغ.، بل هو رسالة تحمل في طياتها الكثير. الصديق الحقيقي للبيئة هو من يصطاد فريسته بعدسته وليس ببندقيته. والصيد الرحيم (التصوير) كما يسميه الكثيرون هو إبراز جمال الطبيعة، ونشر الوعي البيئي بنقل جمال المشهد، والتنبيه على أهمية الطبيعة وعناصرها.
تحمل الصورة الفوتوغرافية وبالأخص صور الطبيعة والحيوانات، رسالة مهمة إلى من يشكلون خطرا على الطبيعة وثروتها، مفادها أن هذه المخلوقات وجدت لتعيش خاصة النادرة منها. مؤخرا أصبحت الطبيعة تعاني كثيرا من الصيد العشوائي للحيوانات بمختلف أصنافها من جهة، ومن التلوث والنزوح العمراني للسكان، الذي يمنع على الحيوانات سكينتها وراحتها من جهة أخرى، متجاهلين الدور الهام الذي تلعبه في الحفاظ على نظام التوازن البيئي. والطيور على وجه الخصوص وسيلة مهمة للقضاء على الحشرات المضرة والخطيرة، كما أنها عنصر مهم في السلسلة الغذائية،زيادة على دورها الهام ومساهمتها الكبيرة في إستمرار عملية تلقيح النباتات، عن طريق نقل حبوب الطلعالتي تلتصق بأرجلها وريشها، وتنثره هنا وهناك.
كانت هذه رسالة المصور للقارئ، ليكون صديقا للطبيعة ويحافظ عليها وعلى ثروتها النباتية والحيوانية، ويساهم في تغيير الصورة النمطية والحكم السائد على أن الإنسان العدو الأول للطبيعة.
الكاتب: فلة غوطي
المصدر: سوبرنوفا