الشباب الجزائري نحو قبول التبرع بالأعضاء
تنتشر أخبار قصص التبرع بالأعضاء في الجزائر على نطاق واسع، ويتحول أبطالها، معظمهم من الشباب، إلى مشاهير يتداول سكان الحي والمدينة التي يسكنونها تفاصيل العملية، والسبب بسيط جدا لأن هذه العمليات شبه نادرة في مجتمع يتعامل مع نقل وزرع الأعضاء البشرية بتحفظ كبير.
قرار التبرع بعضو من جسمك في الجزائر ليس سهلا، فعندما تقتنع أنت بذلك سيكون عليك خوض معركة طويلة من أجل إقناع العائلة وأحيانا تجد نفسك في مواجهة قريبك المريض الذي تحتاج لإقناعه أيضا بضرورة إجراء عملية الزرع.
المتبرعون أبطال
في هذا الموقف وجد الشاب “ساعد” 35 سنة، نفسه عندما قرر التبرع بكليته لإنقاذ أخيه “ناجح” 38 سنة، وإنهاء معاناته مع غسيل الكلى التي دامت 6 سنوات كاملة. منذ إجراء عملية الزرع في المستشفى الجامعي بعنابة، تحول الأخوان الشابان إلى حديث أهل مدينة “مجازالدشيش”، شرق الجزائر، أين يسكنان، ونموذجا نادرا للتضحية، لأن حادثة كهذه لا تحدث إلا مرة واحدة.
الحالات النادرة للتبرع بالأعضاء في الجزائر وخاصة بالكلى يكون أبطالها من الشباب الذي يبدو أنهم يسيرون نحو تقبل فكرة “التبرع بالأعضاء” أكثر من آبائهم الذين يضطرون لإقناعهم ووضعهم أمام الأمر الواقع. وهي حالة الشاب “مختار موفق” من مدينة سطيف، شرق الجزائر، الذي ظهر في برنامج “ألف صحة” على قناة تلفزيونية خاصة، في شهر جولية 2017، ليعلن عن إستعداده للتبرع بكليته لأي شخص يعاني من قصور كلوي، في خطوة جريئة لتشجيع الشباب على التبرع بالأعضاء وإنقاذ المرضى. ويقول الشاب: “شرحت الموضوع لزوجتي مطولا وتمكنت من إقناعها وفي النهاية حصلت على تشجيعها، لكن لم أخبر أحدا آخر من العائلة لأني أعرف موقفهم المعارض مسبقا”.
منح الحياة لمريض
تأثر ملايين المشاهدين بقصة الطفل عماد الذي تبرع له والده الشاب بكليته وتناقلت عدة وسائل إعلام كيف تغلب على معاناته مع المرض وحصوله على كلية جديدة. العديد من الأطفال والمرضى مثل عماد ينتظرون دورهم ويحلمون بالحصول على متبرع ينهي معاناتهم، خاصة فيما يتعلق بالقصور الكلوي الذي يعتبر الأكثر انتشار، حيث تشير إحصائيات وزارة الصحة الجزائرية إلى وجود أكثر من 22 ألف شخص يقومون بغسيل الكلى، ثلثهم يحتاجون عملية زرع كلية جديدة، في المقابل سجلت الجزائر عمليتين فقط للتبرع بالكلى لشخصين متوفيين، حسب المرصد العالمي للتبرع وزرع الأعضاء.
ممنوع لمس الجثث
العثور على متبرع في الجزائر ليس سهلا بل إنه شبه مستحيل، إذا لم يكن من أقاربك ومازال على قيد الحياة وقرر أن يمنحك قطعة منه بإرادته، لأن الأمر بدل أن يصبح أسهل في حالة الشخص المتوفي يصبح أكثر تعقيد، بسبب رفض العائلات رفضا مطلقا لفكرة التبرع بأعضاء أقاربها المتوفين، وتقول في هذا عائشة، 24 سنة لمجلة “سوبرنوفا”: “أفضل أن أتبرع بكليتي وأنا على قيد الحياة بدل التبرع بكلية قريب لي ميت إلا إذا أوصى بذلك”. في حين تقول جميلة، 32 سنة في حديث لـ”سوبرنوفا”: “زوجي مريض بالسرطان وأوصاني بالتبرع بكليته لصديقه سمير الذي يعاني من قصور كلوي منذ 4 سنوات، لولا وصيته ماكنت أقبل أبدا بذلك”.
وإذا كان التبرع بالكلى ممكن بالنسبة للأشخاص الأحياء الذين يتخذون القرارات بأنفسهم فإن الأمر يصبح أكثر تعقيد بالنسبة للمرضى الذين يحتاجون لعمية زرع كبد أو قلب، وهي الأعضاء التي لا يمكن أخذها إلا من شخص متوفى.
يرى عبد اللطيف، 28 سنة، أن التبرع بأعضاء الأهل المتوفين أمر صعب لكنه ممكن: “نحن لا ننظر للتبرع على أنه نزع عضو من جثة، مشكلتنا أننا نتعامل مع الجثة وكأنها روح حية، وهذا خاطىء جدا”. ويضيف المتحدث لـ”سوبرنوفا”: “دائما نربط تفكيرنا بالغيبيات، بدل التفكير في منح الحياة لمريض”.
معتقدات دينية
وتسود في المجتمع الجزائري، بشكل عام بما في ذلك الشباب، معتقدات دينية تحد من التبرع بالأعضاء، كالإعتقاد الشائع بأن أعضاء الشخص ستشهد عليه يوم الحساب، وأن الميت يبعث بنفس الهيئة التي دفن بها، ولن يسامح من عبث بجثته ووافق على نزع عضو منها.
ورغم تكذيب رجال الدين لهذه المعتقدات ودعوة الناس للنظر للتبرع بالأعضاء على أنه “صدقة جارية” إلا أن تقبل هذه الفكرة يبدو أكثر صعوبة مما يعتقدون. ففي الوقت الذي مازال فيه الجزائريون يرفضون فكرة تشريح جثث أقاربهم لتحديد أسباب الوفايات، لا يمكن توقع قبولهم لفكرة التبرع بالأعضاء بسهولة.
ومن أجل تجاوز عقبة رفض العائلة تم طرح فكرة إجراء تعديل قانوني يسمح للشخص بتعهد كتابي، يثبت قبوله أو رفضه للتبرع بأعضائه بعد وفاته، في حين يرى الخبراء أن مثل هذه المبادرة غير كافية، لأنها ستسمح بوضع “قائمة بالرافضين”، في حين هناك إحتمال أن توافق عائلاتهم على عملية نقل الأعضاء.
رغم الحالات النادرة للتبرع بالأعضاء التي يقوم بها الشباب إلا أن الجزائر تبقى بعيدة عن تلك المرحلة التي تتطلع فيها إلى جعل المجتمع ينظر إلى التبرع بالأعضاء بنفس الوعي الذي ينظر له إلى التبرع بالدم.
هل تشجع الناس على التبرع بأعضاء أهلهم المتوفيين لإنقاد المرضى؟